الحديث : «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» (١) وفي حديث آخر : «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم» (٢) قوله إلكم الإلّ أشد القنوط.
وقيل : هو رفع الصوت بالبكا ، وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال : إن الله تعالى لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله صلىاللهعليهوسلم فلما عجب رسوله قال تعالى (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥] أي : هو كما تقوله ، وأما الفتح فعلى أنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أي : عجبت من تكذيبهم إياك.
(وَيَسْخَرُونَ) أي : وهم يسخرون من تعجبك قال قتادة : عجب نبي الله صلىاللهعليهوسلم من هذا القرآن حين أنزل ومن ضلال بني آدم ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يظن أن كل من سمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن سخروا منه ولم يؤمنوا به عجب من ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال تعالى (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ).
(وَإِذا ذُكِّرُوا) أي : وعظوا بالقرآن (لا يَذْكُرُونَ) أي : لا يتعظون.
(وَإِذا رَأَوْا آيَةً) قال ابن عباس وقتادة : يعني انشقاق القمر (يَسْتَسْخِرُونَ) أي : يستهزئون بها وقيل : يستدعي بعضهم من بعض السخرية.
(وَقالُوا إِنْ) أي : ما (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر في نفسه ومظهر لسخريته ثم خصّوا البعث بالإنكار إعلاما بأنه أعظم مقصود بالنسبة إلى السحر فقالوا مظهرين له في مظهر الإنكار : (أَإِذا مِتْنا) وعطفوا عليه ما هو موجب عندهم لشدة الإنكار فقالوا (وَكُنَّا) أي : كونا في غاية التمكن (تُراباً) وقدموه ؛ لأنه أدل على مرادهم ؛ لأنه أبعد عن الحياة (وَعِظاماً) كأنهم جعلوا كل واحد من الموت أو الكون إلى الترابية المحضة والعظامية المحضة والمختلطة بهما مانعا من البعث ، وهذا بعد اعترافهم بأن ابتداء خلقهم كان من التراب ، ثم كرروا الاستفهام الإنكاري على قراءة من قرأ به كما سيأتي بيانه زيادة في الإنكار فقالوا (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
وقولهم (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) عطف على محل إن واسمها أو على الضمير في مبعوثون فإنه مفصول عنه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم ، وهذا بيان للسبب الذي حملهم على الاستهزاء بجميع المعجزات وهو اعتقادهم أن من مات وتفرقت أجزاؤه في العالم فما فيه من الأرض اختلط بالأرض وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم ، فهذا الإنسان كيف يعقل عوده بعينه حيا؟
ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) أي : لهؤلاء البعداء البغضاء (نَعَمْ) أي : تبعثون على كل تقدير قدرتموه (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي : مكرهون عليه صاغرون ذليلون وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب ؛ لأنه ذكر في الآية المتقدمة البرهان القطعي على أنه أمر ممكن وإذا ثبت الجواز القطعي فلا سبيل إلى القطع بالوقوع إلا بإخبار المخبر الصادق ، فلما قامت المعجزة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم كان واجب الصدق فكان مجرد قوله (نَعَمْ) دليلا قاطعا على الوقوع ، وقرأ متنا بضم الميم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة ، وكسرها الباقون.
وأما ا اذا وا انا فقرأ نافع والكسائي بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وابن عامر
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٥١ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٥ ، ٧١.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٥ / ٧٠ ، وذكره ابن الأثير الجزري في «النهاية في غريب الحديث» ١ / ٦١.