يا لهف زيابة للحارث |
|
الصابح فالغانم فالآيب |
أي : الذي صبح فغنم فآب ، وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل ، وإما على ترتب موصوفاتها كقوله : «رحم الله المحلقين فالمقصرين» (١) ، والبيضاوي ذكر هذا حديثا قال شيخنا القاضي زكريا : لم أره بهذا اللفظ ا. ه ، لكنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس ، وقرأ أبو عمرو وحمزة بالإدغام فيما ذكر ، والباقون بالإظهار ؛ وجواب القسم.
(إِنَّ إِلهَكُمْ) أي : الذي اتخذتم من دونه آلهة (لَواحِدٌ) إذ لو لم يكن واحدا لاختل هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة وما يترتب عليها فكان غير حكيم ، فإن قيل : ذكر الحلف في هذا الموضع غير لائق وبيانه من وجهين :
الأول : أن المقصود من هذا القسم إما إثبات هذا المطلوب عند المؤمن أو الكافر ، فالأول باطل ؛ لأن المؤمن مقرّ به من غير حلف.
والثاني : باطل أيضا ؛ لأن الكافر لا يقرّ به سواء حصل الحلف أو لم يحصل فهذا الحلف عديم الفائدة على كل تقدير ، الثاني : أنه يقال أقسم في أول هذه السورة على أن الإله واحد وأقسم في أول سورة الذاريات على أن القيامة حق ، فقال : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) [الذاريات : ١] إلى قوله (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٥ ـ ٦] وإثبات هذه المطالب العالية الشريفة على المخالفين من الدهرية وأمثالهم بالحلف لا يليق بالعقلاء؟ أجيب : عن ذلك بأوجه :
أولها : أنه تعالى قرر التوحيد وصحة البعث والقيامة في غالب السور بالدلائل اليقينية ، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها بذكر القسم تأكيدا لما تقدم لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب.
ثانيها : أن المقصود من هذا الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل : إن هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطاله مثل هذه الحجة.
ثالثها : أنه تعالى لما أقسم بهذه الأشياء على صحة قوله تعالى : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) [الصافات : ٤] عقبه بما هو الدليل اليقيني في كون الإله واحد ، وهو قوله تعالى : (رَبُ) أي : موجد ومالك ومدبر (السَّماواتِ) أي : الأجرام العالية (وَالْأَرْضِ) أي : الأجرام السافلة (وَما بَيْنَهُما) أي : من الفضاء المشحون بما يعجز عن عده القوي ، وذلك ؛ لأنه تعالى بين في قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] أن انتظام أحوال السموات والأرض يدل على أن الإله واحد فههنا لما قال (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) أردفه بقوله (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) كأنه قيل : بينا أن النظر في انتظام هذا العالم يدل على أن الإله واحد فتأملوا ليحصل لكم العلم بالتوحيد.
__________________
ص ٥٠٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٦٥ ، ومعجم الشعراء ص ٢٠٨ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٦٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٥ ، ومغني اللبيب ص ١٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٩.
(١) أخرجه بنحوه مسلم في الحج حديث ١٣٠١ ، والترمذي في الحج حديث ٩١٣ ، وابن ماجه في المناسك حديث ٣٠٤٤.