أجيب : بأنه تعالى أجراهما مجرى الجمع تعظيما لهما ، أو معكما ومع بني إسرائيل يسمع ما يجيبكم فرعون.
(فَأْتِيا) أي : فتسبب عن ذهاب ما ذكرت بالحراسة والحفظة أني أقول لكما ائتيا (فِرْعَوْنَ) نفسه وإن عظمت مملكته وجلت جنوده (فَقُولا) أي : ساعة وصولكما له ولمن عنده (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : المحسن إلى جميع الخلق المدبر لهم مصالحهم ، فإن قيل : هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله تعالى : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)؟ [طه ، ٤٧] أجيب : بأن الرسول يكون بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته ، وأما ههنا فهو إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة والمصدر يوحد ومن مجيء رسول بمعنى الرسالة قوله (١) :
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول |
أي : برسالة ، والواشون الساعون بالكذب عند ظالم وما فهت بمعنى ما تكلمت ، وإما لأنهما ذوا شريعة واحدة فنزلا منزلة رسول ، وإما لأنه من وضع الواحد موضع التثنية لتلازمهما فصارا كالشيئين المتلازمين كالعينين واليدين ، وقال أبو عبيدة : يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع تقول العرب هذا رسولي ووكيلي وهذان رسولي ووكيلي وهؤلاء رسولي ووكيلي ، كما قال تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [الكهف : ٥٠].
ثم ذكر له ما قصد من الرسالة إليه فقال معبرا بأداة التفسير ، لأنّ الرسول فيه بمعنى الرسالة التي تتضمن القول : (أَنْ) أي : بأن (أَرْسِلْ) أي : خل وأطلق ، وأعاد الضمير على معنى رسول فقال (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : قومنا الذين استعبدتهم ظلما ولا سبيل لك عليهم نذهب بهم إلى الأرض المقدسة التي وعدنا الله تعالى بها على ألسنة الأنبياء من آبائنا عليهم الصلاة والسلام ، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا ، ويروى أن موسى رجع مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصاه ومكتل معلق في رأس العصا وفيه زاده فدخل داره نفسه وأخبر هارون بأن الله تعالى أرسلني إلى فرعون وأرسل إليك حتى ندعو فرعون إلى الله تعالى ، فخرجت أمهما وصاحت ، وقالت : إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع بقولها وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودقا الباب ففزع البوابون وقالوا من بالباب ، وروي أن البواب اطلع عليهما وقال من بالباب ومن أنتما؟ فقال موسى أنا رسول رب العالمين فذهب البواب إلى فرعون وقال إن مجنونا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون ائذن له لعلنا نضحك منه ، وقيل : لم يؤذن لهما إلى سنة فدخلا عليه وأديا رسالة الله عزوجل فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته فلما عرفه. (قالَ) له منكرا عليه (أَلَمْ نُرَبِّكَ) حذف ، فأتيا فرعون فقالا له ذلك لأنه معلوم لا يشتبه وهذا النوع من الاختصار كثير في القرآن (فِينا) أي : في منازلنا (وَلِيداً) أي : صغيرا قريبا من الولادة بعد فطامه (وَلَبِثْتَ فِينا) أي : في عزنا باعتبار انقطاعك إلينا وتعززك بنا (مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) ثلاثين سنة فما لنا عليك من الحق ينبغي أن يمنعك من مواجهتنا بمثل هذا ، وكأنه عبر بما يفهم النكد كناية عن مدّة مقامه عنده بأنها كانت نكدة لأنه وقع فيما كان يخافه وفاته ما كان يحتاط
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لكثير في ديوانه ص ١١٠ ، ولسان العرب (رسل) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٢ / ٣٩١ ، وديوان الأدب ١ / ٣٩٥ ، وتاج العروس (رسل) ، ويروى : «برسيل» ، بدل : «برسول».