في محفل من رؤوس الناس مشهود
ثانيها : أنه على حذف مضاف أي : فظل أصحاب الأعناق ثم حذف وبقي الخبر على ما كان عليه قبل الحذف المخبر عنه مراعاة للمحذوف.
ثالثها : أنه لما أضيف إلى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم كما يكتسب التأنيث بالإضافة لمؤنث في قوله (١) :
كما شرقت صدر القناة من الدم
رابعها : قال الزمخشري : أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع وترك الكلام على أصله كقولهم : ذهبت أهل اليمامة كأن الأهل غير مذكور ، ونوزع في التنظير لأنّ أهل ليس مقحما البتة لأنه المقصود بالحكم.
خامسها : أنها عوملت معاملة العقلاء ، كقوله تعالى : (ساجِدِينَ) [يوسف ، ٤] (طائِعِينَ) [فصلت ، ١١] في يوسف والسجدة ، وقيل إنما قال تعالى : (خاضِعِينَ) لموافقة رؤوس الآي لتكون على نسق واحد.
(وَما يَأْتِيهِمْ) أي : الكفار (مِنْ ذِكْرٍ) أي : موعظة أو طائفة من القرآن يذكروننا به فيكون سبب ذكرهم وشرفهم (مِنَ الرَّحْمنِ) أي : الذي أنكروه مع إحاطة نعمه بهم (مُحْدَثٍ) أي : بالنسبة إلى تنزيله وعلمهم به وأشار تعالى إلى دوام كبرهم بقوله تعالى : (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) أي : إعراضا هو صفة لهم لازمة.
ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال تعالى : (فَقَدْ) أي : فتسبب عن هذا الفعل منهم أنه قد (كَذَّبُوا) أي : بالذكر بعد إعراضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الاستهزاء به المخبر به عنهم ضمنا في قوله تعالى : (فَسَيَأْتِيهِمْ) أي : إذا مسهم عذاب الله تعالى يوم بدر ويوم القيامة (أَنْبؤُا) أي : عظيم أخبار وعواقب (ما) أي : العذاب الذي (كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : يهزؤون من أنه كان حقا أو باطلا وكان حقيقا بأن يصدق ويعظم أمره أو يكذب فيستخف أمره.
ثم قال تعالى معجبا منهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ) أي : على سعتها واختلاف نواحيها ، ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف بقوله تعالى : (كَمْ أَنْبَتْنا) أي : بما لنا من العظمة (فِيها) بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات فيها (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي : صنف متشاكل بعضه لبعض فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه (كَرِيمٍ) أي : كثير المنافع محمود العواقب وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى وهو ضدّ اللئيم ، وههنا يحتمل معنيين أحدهما : النبات على نوعين : نافع وضار فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وخلى ذكر الضار ، والثاني : أن يعم جميع النبات نافعه وضاره ويصفهما جميعا بالكرم وينبه على أنه تعالى ما
__________________
(١) صدره :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
والبيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٠٦ ، والدرر ٥ / ١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٥٢ ، ولسان العرب (صدر) ، (شرق) ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤١٧.