عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩))
(طسم) قال ابن عباس : عجزت العلماء عن علم تفسيرها ، وفي رواية عنه : أنه قسم وهو من أسماء الله تعالى. وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن وقال مجاهد اسم السورة ، وقال محمد بن كعب القرظي : أقسم بطوله وسناه وملكه ، ولهذا الاختلاف قال الجلال المحلي : الله أعلم بمراده بذلك ، وقد قدمنا الكلام على أوائل السور في أول سورة البقرة وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بإمالة الطاء ، والباقون بالفتح ، وأظهر حمزة النون من سين عن الميم ، وأدغمها الباقون وهي في مصحف عبد الله بن مسعود ط س م مقطوعة من بعضها.
(تِلْكَ) أي : هذه الآيات العالية المرام الحائزة أعلى مراتب التمام المؤلفة من هذه الحروف التي تتناطقون بها وكلمات ألسنتكم (آياتُ الْكِتابِ) أي : القرآن الجامع لكل فرقان (الْمُبِينِ) أي : الظاهر إعجازه المظهر الحق من الباطل.
ولما كان عنده صلىاللهعليهوسلم من مزيد الشفقة وعظيم الرحمة على قومه قال تعالى تسلية له : (لَعَلَّكَ باخِعٌ) أي : هالك (نَفْسَكَ) غما وأسفا من أجل (أَلَّا يَكُونُوا) أي : قومك (مُؤْمِنِينَ) أي : راسخين في الإيمان أي : لا تبالغ في الحزن والأسف فإن هذا الكتاب في غاية البيان في نفسه والإبانة للغير ، وقد تقدم في غير موضع أنه ليس عليك إلا البلاغ ولو شئنا لهديناهم طوعا أو كرها. والبخع : أن يبلغ بالذبح البخاع بالخاء والباء وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذابح. ولعل : للإشفاق أي : أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إيمان قومك فصبره وعزاه وعرفه أن حزنه وغمه لا ينفع كما أن وجود الكتاب ووضوحه لا ينفع.
ثم إنه تعالى أعلمه بأن كل ما هم فيه إنما هو بإرادته بقوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ) وعبر بالمضارع فيهما إعلاما بدوام القدرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون الثانية وإخفائها عند الزاي وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ، ثم قال تعالى محققا للمراد (مِنَ السَّماءِ) أي : التي جعلنا فيها بروجا للمنافع ، وأشار إلى تمام القدرة بتوحيدها بقوله تعالى : (آيَةً) أي : قاهرة كما فعلنا ببعض من قبلهم بنتق الجبل ونحوه.
تنبيه : هنا همزتان مختلفتان ، أبدل نافع وابن كثير وأبو عمرو الهمزة الثانية المفتوحة بعد المكسورة ياء خالصة ، وحققها الباقون. ثم أشار تعالى إلى تحقق هذه الآية بالتعبير بالماضي في قوله تعالى عطفا على ننزل لأنه في معنى أنزلنا (فَظَلَّتْ) أي : عقب الإنزال من غير مهلة (أَعْناقُهُمْ) أي : التي هي موضع الصلابة وعنها تنشأ حركات الكبر والإعراض (لَها خاضِعِينَ) أي : منقادين.
تنبيه : خاضعين : خبر عن أعناقهم ، واستشكل جمعه جمع سلامة لأنه مختص بالعقلاء؟ وأجيب عنه بأوجه : أحدها : أن المراد بالأعناق رؤساؤهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما يقال لهم الرؤوس والنواصي والصدور ، قال القائل (١) :
__________________
(١) يروى البيت بتمامه بلفظ :
ومشهد قد كفيت الغائبين به |
|
في مجمع من نواحي الناس مشهود |
والبيت من البسيط ، وهو لأم قبيس الضبية في لسان العرب (نصا) ، وتاج العروس (نصا) ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (نصو).