بفتح السين في الموضعين وهو لغة فيه ، والباقون بالضم.
ولما منعوا بذلك حس البصر أخبر عن حس السمع بقوله تعالى : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ) أي : مستو ومعتدل غاية الاعتدال (أَأَنْذَرْتَهُمْ) أي : بما أخبرناك به من الزواجر المانعة للكفر (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ؛ لأنهم ممن علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون ، وقد سبق أيضا في البقرة تفسيره والكلام على الهمزتين ، ثم بين الله تعالى الأقل الناجي ؛ لأنه المقصود بالذات بقوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ) أي : إنذارا ينفع المنذر فتتأثر عنه النجاة (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي : القرآن بالتأمل فيه والعمل به (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ) أي : خاف عقابه (بِالْغَيْبِ) أي : قبل موته ومعاينة أهواله أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه تعالى كما هو رحمن رحيم منتقم جبار (فَبَشِّرْهُ) أي : بسبب خشيته بالغيب (بِمَغْفِرَةٍ) أي : لذنوبه وإن عظمت وتكررت.
ولما حصل العلم بمحو الذنوب عينها وأثرها قال تعالى (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي : هو الجنة فإنها دار لا كدر فيها بوجه ، والمقصود منها هو النظر لوجهه الكريم ، اللهم متعنا ومحبينا بالنظر إلى وجهك الكريم.
ولما ذكر تعالى خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يؤكده وهو إحياء الموتى بقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ) أي : بما لنا من العظمة التي لا تضاهى (نُحْيِ الْمَوْتى) أي : كلهم حسّا بالبعث ، ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلمة الجهل (وَنَكْتُبُ) أي : جملة عند نفخ الروح وشيئا فشيئا بعده فلا يتعدى التفصيل شيئا في ذلك الإجمال (ما قَدَّمُوا) أي : وأخروا من جميع أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم من صالح وغيره فاكتفى بأحدهما لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد.
وقيل المعنى : ما أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة كقوله تعالى (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [الجمعة : ٧] أي : بما قدموا في الوجود وأوجدوه ، وقيل : نكتب نياتهم فإنها قبل الأعمال وقوله تعالى (وَآثارَهُمْ) فيه وجوه : أحدها : وهو مبني على التفسير الأخير ، وهو كتب النيات المراد بالآثار : الأعمال.
ثانيها : ما سنوا من سنة حسنة وسيئة ، فالحسنة كالكتب المصنفة والقناطر المبنية ، والسيئة كالظلامات المستمرة التي وضعتها الظلمة والكتب المضلة قال صلىاللهعليهوسلم : «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا» (١).
ثالثها : خطاهم إلى المساجد لما روى أبو سعيد الخدري قال : شكت بنو سلمة بعد منازلهم عن المسجد فأنزل الله تعالى (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يكتب خطواتكم ومشيكم ويثيبكم عليها» (٢) وقال صلىاللهعليهوسلم : «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم مشيا والذي ينتظر
__________________
(١) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٠١٧ ، والترمذي في العلم حديث ٢٦٧٥ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٥٥٤.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.