عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) [الفيل : ٣] وأن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) لوقوعه خبرا ، وأن يكون حالا من المرسلين ، وأن يكون خبرا ثانيا لإنك. وقرأ قنبل «سراط» بالسين عوضا عن الصاد ، وخلف بالإشمام وهو بين الصاد والزاي ، والباقون بالصاد الخالصة.
ولما كان كأنه قيل : ما هذا الذي أرسل به؟ كان كأنه قيل جوابا : هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو : (تَنْزِيلَ) أو حال كونه تنزيل (الْعَزِيزِ) أي : المتصف بجميع صفات الجلال (الرَّحِيمِ) أي : الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم فهو الواحد المنفرد في ملكه ، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي تنزيل بالنصب على الحال كما مر ، أو بإضمار أعني ، والباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر كما مر.
ولما ذكر تعالى المرسل وهو الله تعالى ، والمرسل وهو النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمرسل به وهو القرآن ذكر المرسل لهم بقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) أي : ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة (ما أُنْذِرَ) أي : لم تنذر أصلا (آباؤُهُمْ) أي : لم ينذروا في زمن الفترة (فَهُمْ) أي : بسبب زمان الفترة (غافِلُونَ) أي : عن الإيمان والرشد وقوله تعالى :
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) فيه وجوه : أشهرها : أن المراد بالقول هو قوله تعالى : «لقد حق القول مني لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين» (١) ثانيها : أن معناه لقد سبق في علمه تعالى أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي : وجب وثبت بحيث لا يبدل بغيره كما قال تعالى (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) [ق : ٢٩] ثالثها : المراد لقد حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل من التوحيد وغيره (فَهُمْ) أي : بسبب ذلك (لا يُؤْمِنُونَ) أي : بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكبارا في الأرض ومكر السيء.
ونزل في أبي جهل وصاحبه : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) أي : بأن تضم إليها الأيدي ؛ لأن الغل يجمع اليد إلى العنق ، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدا صلىاللهعليهوسلم يصلي ليرضخن رأسه ، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده إلى عنقه ، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له : ما صنعت؟ فقال : ما رأيته ولقد سمعت كلاما وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لأكلني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) وتقدم أن المراد به البرهان وقال بعد ذلك : بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضرورة حيث التزقت يده بعنقه ، ومنع من إرسال الحجر وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن علم أنه لا يؤمن أصلا ، وقال أهل المعاني : هذا
__________________
(١) هذه مأخوذة من آيتين : الأولى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣].
والثانية : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٥].