السيد لعبده : انقل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في النقل فنقلها ، ولو قال : انقلها فإن تحتها كنزا هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمر.
وإذا علم هذا فكذلك في العبادات اللسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهي فإذا قال : حم طس يس علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالا لما أمر به ، انتهى كلام ابن عادل بحروفه وهو كلام دقيق ، وقرأ يس بإمالة الياء شعبة وحمزة والكسائي ، والباقون بالفتح ، وأظهر النون من يس عند واو (وَالْقُرْآنِ) قالون وابن كثير وأبو عمرو وحفص وحمزة ، وأدغم الباقون ، وهي واو القسم أو العطف إن جعل يس مقسما به ، ثم وصف القرآن بقوله تعالى : (الْحَكِيمِ) أي : المحكم بعظيم النظم وبديع المعاني.
وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي : الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم فصاروا بما وهبهم الله من القوة النورانية وبما تخلقوا به من أوامره ونواهيه كالملائكة الذين تقدم ذكرهم في السورة الماضية إنهم رسله جواب القسم وهو رد على الكفار حيث قالوا : لست مرسلا ، فإن قيل : المطلب يثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقسام؟ أجيب : بأوجه : أولها : أن العرب كانوا يتقون الأيمان الفاجرة ، وكانوا يقولون إن الأيمان الفاجرة توجب خراب العالم ، وصحح النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك بقوله : «اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع» (١) ثم إنهم كانوا يقولون : إن النبي صلىاللهعليهوسلم يصيبه من آلهتهم وهي الكواكب عذاب ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة ، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأنا وأمنع مكانا فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
ثانيها : أن المناظرين إذا وقع بينهما كلام وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب : إنك قررت هذا بقوة جدالك وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك ، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة وعجزت أنا على القدح فيه ، وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر ؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول فلا يجد أمرا إلا اليمين ، فكذلك النبي صلىاللهعليهوسلم أقام البراهين وقالت الكفرة (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) [سبأ : ٤٣] (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [سبأ : ٤٣] فالتمسك بالأيمان لعدم فائدة الدليل.
ثالثها : أن هذا ليس بمجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين ؛ لأن القرآن معجزة ، ودليل كونه مرسلا هو المعجزة والقرآن كذلك ، فإن قيل : لم لم يذكر في صورة الدليل وما الحكمة في ذكر الدليل في صورة اليمين؟ أجيب : بأن الدليل إذا ذكر في صورة اليمين ، واليمين لا يقع ولا سيما من العظيم الأعلى أمر عظيم والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين يقبل عليه السامع لكونه دليلا شافيا يسر به الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب.
وقوله تعالى : (عَلى صِراطٍ) أي : طريق واسع واضح (مُسْتَقِيمٍ) أي : هو التوحيد والاستقامة في الأمر ، يجوز أن يكون متعلقا بالمرسلين تقول : أرسلت عليه كذا قال تعالى (وَأَرْسَلَ
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ٣٥ ، والطبراني في الأوسط ٢ / ١٩.