النقصان لا يقدر أن يقدر العظيم السلطان حق قدره (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي : جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي لا كدر فيه وهو رزق الجنة.
تنبيه : ذكر تعالى في الذين آمنوا وعملوا الصالحات أمرين : الإيمان ، والعمل الصالح ، وذكر لهم أمرين : المغفرة والرزق الكريم ، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ومن في قلبه وزن ذرة من إيمان» (١) ، والرزق الكريم على العمل الصالح وهذا مناسب ، فإن من عمل لسيد كريم عملا فعند فراغه لا بد وأن ينعم عليه وقوله تعالى (كَرِيمٌ) بمعنى : ذي كرم أو مكرم أو لأنه يأتي من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي غالبا.
فإن قيل : ما الحكمة في تمييزه الرزق بأنه كريم ولم يصف المغفرة؟ أجيب : بأن المغفرة واحدة وهي للمؤمنين ، وأما الرزق فمنه شجرة الزقوم والحميم ، ومنه الفواكه والشراب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها.
ولما بين تعالى حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين في ذلك اليوم بقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) أي : فعلوا فعل الساعي (فِي آياتِنا) أي : القرآن بالإبطال وتزهيد الناس فيها وقوله تعالى : معجزين قرأه ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف بعد العين وتشديد الجيم أي : مبطئين عن الإيمان من أراده ، والباقون بألف بعد العين وتخفيف الجيم وكذا في آخر السورة أي : مسابقين كي يفوتونا (أُولئِكَ) الحقيرون عن أن يبلغوا مرادا بمعاجزتهم (لَهُمْ عَذابٌ) وأي عذاب (مِنْ رِجْزٍ) أي : سيئ العذاب (أَلِيمٌ) أي : مؤلم وقرأ ابن كثيرة وحفص أليم بالرفع على أنه صفة لعذاب ، والباقون بالجر على أنه صفة لرجز قال الرازي : قال هناك لهم رزق كريم ولم يقل بمن التبعيضية فلم يقل لهم نصيب من رزق ولا رزق من جنس كريم ، وقال ههنا (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) بلفظة صالحة للتبعيض وذلك إشارة إلى سعة الرحمة وقلة الغضب.
وقوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي : الذي قذفه الله تعالى في قلوبهم سواء كانوا ممن أسلم من العرب أو أهل الكتاب وقيل : مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل : الصحابة ومن شايعهم فيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على ليجزي أي : وليعلم الذين أوتوا العلم. والثاني : أنه مستأنف أخبر عنهم بذلك (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بإنزاله (هُوَ الْحَقَ) أي : أنه من عند الله تعالى.
تنبيه : الذي أنزل هو المفعول الأول ، وهو ضمير فصل والحق : مفعول ثان لأن الرؤية علمية.
وقوله تعالى (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ) أي : طريق (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) في فاعله وجهان أظهرهما أنه ضمير الذي أنزل وهو القرآن. والثاني : ضمير اسم الله تعالى وهاتان الصفتان يفيدان الرهبة
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٤٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٩٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٣١٢ ، وأخرجه بلفظ : «يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان» الترمذي في صفة جهنم حديث ٢٥٩٨.