الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام ، وقيل : تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم (وَأَعَدَّ) أي : والحال أنه أعد (لَهُمْ) أي : بعد السلامة الدائمة (أَجْراً كَرِيماً) هو الجنة ، وتقدم ذكر الكريم في الرزق ، فإن قيل : الإعداد إنما يكون ممن لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه ، وأما الله تعالى فغير محتاج ولا عاجز ، فحيث يلقاه يؤتيه ما يرضى به وزيادة ، فما معنى الإعداد من قبل؟ أجيب : بأن الإعداد للإكرام لا للحاجة. قال البيضاوي : ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو أهم.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُ) أي : الذي نخبره بما لا يطلع عليه غيره (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) أي : بعظمتنا إلى سائر خلقنا (شاهِداً) أي : عليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالتهم ، وشاهدا للرسل بالتبليغ ، وهو حال مقدرة أو مقارنة لقرب الزمان (وَمُبَشِّراً) أي : لمن آمن بالجنة (وَنَذِيراً) أي : لمن كذب بالنار.
(وَداعِياً إِلَى اللهِ) أي : إلى توحيده وطاعته ، وقوله تعالى : (بِإِذْنِهِ) حال أي : متلبسا بتسهيله ، ولا يريد حقيقة الإذن ؛ لأنه مستفاد من أرسلناك (وَسِراجاً) أي : مثله في الاهتداء به يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم للمبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الإبصار (مُنِيراً) أي : نيرا على من اتبعه فيصير في أعظم ضياء ، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام. وعبر به دون الشمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج ؛ لأن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء ، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة ، إذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه ، وكذلك إن غاب النبي صلىاللهعليهوسلم كان كل صحابي سراجا يؤخذ منه نور الهداية كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (١).
قال ابن عادل : وفي هذا الخبر لطيفة : وهي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم ، لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور يستفاد منه ، فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي صلىاللهعليهوسلم فلا يؤخذ إلا قول النبي صلىاللهعليهوسلم وفعله ، فأنوار المجتهدين كلهم من النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولو جعلهم كالسرج والنبي صلىاللهعليهوسلم كان سراجا كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ويأخذ النور ممن اختار وليس كذلك ، فإن مع نص النبي صلىاللهعليهوسلم لا يعمل بقول الصحابي ، بل يؤخذ النور من النبي صلىاللهعليهوسلم ولا يؤخذ من الصحابي فلم يجعله سراجا.
تنبيه : جوز الفراء أن يكون الأصل وتاليا سراجا ، ويعني بالسراج : القرآن ، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي الذات واحدة ؛ لأن التالي هو المرسل.
وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على محذوف ، مثل فراقب أحوال أمتك. ولم يقل أنذر المعرضين إشارة للكرم. وقوله تعالى : (بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) كقوله تعالى (وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب : ٣٥] والعظيم والكبير متقاربان.
ولما أمره سبحانه وتعالى بما يسر نهاه عما يضر بقوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) أي : لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلت إليك من الإنذار وغيره كراهة لشيء من مقالهم وأفعالهم في أمر زينب وغيرها ، فإنك نذير لهم ، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله
__________________
(١) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٤٧ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٢ / ٢٢٣.