اللهِ) أي : الذي له كل صفة كمال أزلا وأبدا (بِكُلِّ شَيْءٍ) من ذلك وغيره (عَلِيماً) فيعلم من يليق بالختم ومن يليق بالبدء.
قال الأستاذ ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس : في سؤال القبر واختصاصه صلىاللهعليهوسلم بالأحمدية والمحمدية علما وصفه برهان على ختمه ، إذ الحمد مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس ، ١٠] وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحكم بنيانه ، ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون بسواها ، فكنت أنا موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل» (١) وقال عليه الصلاة والسلام : «إن لي أسماء أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي يمحو الله تعالى بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الله تعالى الناس على قدمي ، وأنا العاقب» (٢) والعاقب الذي ليس بعده نبي.
ولما كان ما أثبته لنفسه سبحانه وتعالى من إحاطة العلم مستلزما للإحاطة بأوصاف الكمال قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ادعوا ذلك بألسنتهم (اذْكُرُوا اللهَ) الذي هو أعظم من كل شيء تصديقا لدعواكم ذلك (ذِكْراً كَثِيراً) قال ابن عباس : لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإنه لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أهله في تركه إلا مغلوبا على عقله. وأمرهم به في الأحوال فقال تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) [النساء : ١٠٣] وقال تعالى : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) أي : بالليل والنهار والبر والبحر والصحة والسقم في السر والعلانية ، وقال مجاهد : الذكر الكثير : أن لا ينساه أبدا ، فيعم ذلك سائر الأوقات وسائر ما هو أهله من التقديس والتهليل والتمجيد.
(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي : أول النهار وآخره خصوصا ، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات ؛ لكونهما مشهودين. كإفراد التسبيح من جملة الإذكار لأنه العمدة فيها ، وقال البغوي : وسبحوه أي : صلوا له بكرة أي : صلاة الصبح ، وأصيلا يعني صلاة العصر. وقال الكلبي : وأصيلا يعني صلاة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد : معناه قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فعبر بالتسبيح عن إخوانه ، وقيل : المراد من قوله تعالى : (ذِكْراً كَثِيراً) هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث.
وعن أنس لما نزل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] وقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ما أنزل الله تعالى عليك خيرا إلا أشركنا فيه أنزل الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) أي : يرحمكم (وَمَلائِكَتُهُ) أي : يستغفرون لكم ، فالصلاة من الله تعالى رحمة ، ومن الملائكة استغفار للمؤمنين ، فذكر صلاته تحريضا للمؤمنين على الذكر والتسبيح. قال السدي : قالت بنو إسرائيل لموسى عليهالسلام : أيصلي ربنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى ، فأوحى الله
__________________
(١) أخرجه البغوي في شرح السنة ١٣ / ٢٠١ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٧٤٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢١٢٧.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٥٣٢ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٥٤.