ابن عباس رضي الله عنه : يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون من بعده نبيا.
وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه : لما حكم أنه لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا. وقيل : من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم ، إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره ، والحاصل أنه لا يأتي بعده نبي مطلقا بشرع جديد ولا يتجدد بعده مطلقا استنباء ، وهذه الآية مثبتة لكونه خاتما على أبلغ وجه وأعظمه ، وذلك أنها في سياق الإنكار بأن يكون بينه وبين أحد من رجالهم بنوة حقيقية أو مجازية ، ولو كانت بعده لأحد لم يكن ذلك إلا لولده ، ولأن فائدة إثبات النبي تتميم شيء لم يأت به من قبله. وقد حصل به صلىاللهعليهوسلم التمام ، فلم يبق بعد ذلك مرام : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (١) وأما تجديد ما وهى مما أحدث بعض الفسقة فالعلماء كافون فيه لوجود ما خص به صلىاللهعليهوسلم من هذا القرآن المعجز الذي من سمعه فكأنما سمعه من الله عزوجل ؛ لوقوع التحقق والقطع بأنه لا يقدر غيره أن يقول شيئا منه ، فمهما حصل ذهول عن ذلك قرره من يريد الله تعالى من العلماء فيعود الاستبصار ، كما روي في بعض الآثار : «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» (٢) وأما إتيان عيسى عليهالسلام بعد تجديد الهدى لجميع ما وهى من أركان المكارم فلأجل فتنة الدجال ثم طامة يأجوج ومأجوج ونحو ذلك مما لا يستقل بأعبائه غير نبي ، وما أحسن قول حسان بن ثابت في مرثية لإبراهيم ابن النبي صلىاللهعليهوسلم (٣) :
مضى ابنك محمود العواقب لم يشب |
|
بعيب ولم يذمم بقول ولا فعل |
رأى أنه إن عاش ساواك في العلا |
|
فآثر أن تبقى وحيدا بلا مثل |
وقال الغزالي في آخر كتابه الاقتصاد : إن الأمة فهمت من هذا اللفظ ومن قرائن أحواله صلىاللهعليهوسلم أنه أفهم عدم نبي بعده أبدا ، وعدم رسول بعده أبدا ، وأنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص. وقال : إن من أوله بتخصيص النبيين بأولي العزم من الرسل ونحو هذا فكلامه من أنواع الهذيان لا يمنع الحكم بتكفيره ؛ لأنه مكذب لهذا النص الذي أجمعت الأمة على أنه غير مؤول ولا مخصوص انتهى.
وقد بان بهذا أن إتيان عيسى عليهالسلام غير قادح في هذا النص ، فإنه من أمته صلىاللهعليهوسلم المقررين لشريعته ، وهو قد كان نبيا قبله لم يستجد له شيء لم يكن ، فلم يكن ذلك قادحا في الختم. وهو مثبت لشرف نبينا صلىاللهعليهوسلم إذ لولاه لما وجد ، وذلك أنه لم يكن لنبي من الأنبياء شرف إلا وله صلىاللهعليهوسلم مثله أو أعلى منه ، وقد كانت الأنبياء تأتي مقررة لشريعة موسى عليهالسلام مجددة لها ، فكان المقرر لشريعة نبينا صلىاللهعليهوسلم المتبع لملته من كان ناسخا لشريعة موسى صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ عاصم بفتح التاء والباقون بكسرها ، فالفتح : اسم للآلة التي يختم بها كالطابع والقالب لما يطبع به ويقلب فيه ، والكسر على أنه اسم فاعل. وقال بعضهم : هو بمعنى المفتوح يعني بمعنى آخرهم لأنه ختم النبيين فهو خاتمهم (وَكانَ
__________________
(١) أخرجه مالك في حسن الخلق حديث ٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٨١ ، وبلفظ : «بعثت لأتمم حسن الأخلاق». وأخرجه القاضي عياض في الشفاء ١ / ٢٠٧.
(٢) أخرجه الألباني في السلسلة الضعيفة ٦٦٦ ، وعلي القاري في الأسرار المرفوعة ٢٤٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٨٣.
(٣) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.