دخلت على خلق العرش بل على رفعه على السموات وهو في اللغة سرير الملك وفي
رفع قوله تعالى (الرَّحْمنُ) أوجه ؛ أحدها : أنه خبر الذي خلق أو خبر مبتدأ مضمر أي
: هو الرحمن ولهذا أجاز الزجاج وغيره الوقف على العرش ، ثم يبتدىء الرحمن أي : هو
الرحمن الذي لا ينبغي السجود والتعظيم إلا له ، أو يكون بدلا من الضمير في استوى ،
وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي.
واختلف في معنى
الفاء في قوله تعالى : (فَسْئَلْ
بِهِ) على قولين ؛ أحدهما : أنها على بابها وهي متعلقة
بالسؤال ، والمراد بقوله : (خَبِيراً) أي : عالما يخبرك بحقيقته هو الله تعالى ، ويكون من
التجريد كقوله : رأيت به أسدا والمعنى : فاسأل الله الخبير بالأشياء قال الزمخشري
: أو فاسأل بسؤاله خبيرا كقولك : رأيت به أسدا أي : برؤيته انتهى. فقال الكلبي :
فقوله به يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش ، والباء من
صلة الخبير وذلك الخبير هو الله تعالى ، لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق
السموات والأرض ، والاستواء على العرش ، ولا يعلمها أحد إلا الله تعالى ، والثاني
: أن تكون الباء بمعنى عن إما مطلقا وإما مع السؤال خاصة كهذه الآية ، وكقول علقمة
بن عبدة :
فإن تسألوني
بالنساء فإنني
|
|
خبير بأدواء
النساء طبيب
|
والضمير في به
لله وخبيرا من صفات الملك وهو جبريل عليهالسلام ، فعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبريل وإنما قدم لرؤوس
الآي وحسن النظم ، وقال ابن جرير : الباء في به صلة والمعنى : فاسأله خبيرا ،
وخبيرا نصب على الحال وقيل : به يجري مجرى القسم كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) [النساء ، ١] ، وقيل : فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى تعرف
من ينكره ومن ثم كانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة
الكذاب ، وكان يقال له : رحمن اليمامة ، وقيل : فاسأل بسبب سؤالك إياه خبيرا عن
هذه الأمور وكل أمر تريده فيخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالا ومآلا ، فلا يضيق صدرك
بسبب هؤلاء المدعوين ، فإنه ما أرسلك إلا وهو عالم بهم فسيعلي كعبك عليهم ويحسن لك
العاقبة ، وقرأ ابن كثير والكسائي بالنقل ، وكذا يقرأ حمزة في الوقف ، والباقون
بسكون السين وفتح الهمزة.
ولما ذكر تعالى
إحسانه إليهم وإنعامه عليهم ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم بقوله : (وَإِذا
قِيلَ لَهُمُ) : أي : من أي قائل قال لهؤلاء الذين يتقلبون في نعمه : (اسْجُدُوا) أي : اخضعوا بالصلاة وغيرها (لِلرَّحْمنِ) أي : الذي لا نعمة لكم إلا منه (قالُوا وَمَا
الرَّحْمنُ) متجاهلين في معرفته فضلا عن كفر نعمته معبرين بأداة ما
لا يعقل ، وقال ابن عربي : إنما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم بالصفة دون الموصوف ،
ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه بقولهم : (أَنَسْجُدُ
لِما تَأْمُرُنا) فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره ، والإنكار على الداعي
إليه أيضا بأداة ما لا يعقل (وَزادَهُمْ) أي : هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكرا
للنعمة وطمعا في الزيادة (نُفُوراً) أي : عن الإيمان والسجود.
تنبيه : هذه السجدة من عزائم سجود التلاوة يسن للقارئ
والمستمع والسامع أن يسجد عند
__________________