دائما (فِي بُيُوتِكُنَ) فمن كسر القاف وهم غير نافع وعاصم جعل الماضي قرر بفتح العين ، ومن فتحه وهو نافع وعاصم فهو عنده قرر بكسرها وهما لغتان. قال البغوي : وقيل وهو الأصح : أنه أمر من الوقار كقوله : من الوعد عدن ، ومن الوصل صلن أي : كن أهل وقار وسكون من قوله : وقر فلان يقر وقورا إذا سكن واطمأن انتهى. ومن فتح القاف فخم الراء ، ومن كسرها رقق الراء ، وعن محمد بن سيرين قال : نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم : ما لك لا تحجين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك فقالت : قد حجبت واعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي فو الله لا أخرج من بيتي حتى أموت ، قال فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت بجنازتها.
واختلف في معنى التبرج في قوله تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ) فقال مجاهد وقتادة : هو التكسر والتغنج ، وقال ابن جريج : هو التبختر وقيل : هو إبراز الزينة وإبراز المحاسن للرجال ، وقرأ البزي بتشديد التاء في الوصل والباقون بالتخفيف ، واختلف أيضا في معنى قوله تعالى : (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) فقال الشعبي : هي ما بين عيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال أبو العالية : هي زمن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ، كانت المرأة تتخذ قميصا من الدر غير مخيط الجانبين فيرى خلقها منه ، وقال الكلبي : كان ذلك في زمن نمروذ الجبار ، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره ، وتعرض نفسها على الرجال.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس عليهماالسلام ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحا ، وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا ، وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجالا من أهل السهل وأجر نفسه منهم فكان يخدمهم ، واتخذ شيئا مثل الذي يزمر به الرعاء ، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حوله فأتوه وهم يستمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن ، وأن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهنّ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنحوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة بينهم فذلك قوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى).
وقال قتادة : ما قبل الإسلام وقيل : الجاهلية الأولى ما ذكرنا ، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل : الجاهلية الأولى ما كانوا عليه قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ، ويعضده قوله صلىاللهعليهوسلم لأبي ذر كما في الصحيحين : «إن فيك جاهلية كفر وإسلام» (١) وقول البيضاوي عن أبي الدرداء ، قال ابن حجر : لم أجده عن أبي الدرداء وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى كقوله تعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] ولم تكن لها أخرى.
ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن الشوائب أرشدهن إلى التحلية بالرغائب بقوله تعالى : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي : فرضا ونفلا صلة لما بينكن وبين الخالق (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] (وَآتِينَ الزَّكاةَ) إحسانا إلى الخلائق وفي هذا بشارة بالفتوح
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري في الإيمان حديث ٣٠ ، ومسلم في الأيمان حديث ١٦٦١ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥١٥٧.