الآخرة ، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتابعنها على ذلك قال قتادة : فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب : ٥٢].
وعن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر ثم استأذن فأذن له ، فوجد النبي صلىاللهعليهوسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا قال : فقال لأقولن شيئا أضحك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم وقال «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة» ، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : لا تسألن رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا أبدا ليس عنده ، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين يوما ، ثم نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) [الأحزاب : ٢٨] حتى بلغ (لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب : ٢٩].
قال : فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة إني أعرض عليك أمرا لا أحب أن تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال : لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتا ، ولكن بعثني معلما ميسرا (١).
قوله «واجما» أي : مهتما والواجم : الذي أسكته الهم ، وعلته الكآبة وقيل : الوجوم الحزن ، وقوله : فوجأت عنقها أي : دققته ، وقوله : لم يبعثني معنتا العنت : المشقة والصعوبة ، وروى الزهري أن النبي صلىاللهعليهوسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا ، قال الزهري : فأخبرني عروة عن عائشة قالت : فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل عليّ فقلت : يا رسول الله إنه مضى تسع وعشرون أعدهن فقال : «إن الشهر تسع وعشرون» (٢).
تنبيه : اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويضا للطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أو لا ، ذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم : إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق ، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَ) ويدل عليه أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة : لا تعجلي حتى تستشيري أبويك ، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور ، وذهب آخرون : إلى أنه كان تفويض طلاق ، ولو اخترن أنفسهن كان طلاقا.
واختلف العلماء في حكم التخيير : فقال عمر وابن مسعود وابن عباس : إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء ، ولو اختارت نفسها وقع طلقة واحدة ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي ، إلا أن عند أصحاب الرأي : أنه يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الطلاق حديث ١٤٧٨.
(٢) أخرجه مسلم في الصيام حديث ١٠٨٣ ، والطلاق حديث ١٤٧٨ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣١٨.