قائمة الکتاب
سورة الفرقان
٣
إعدادات
تفسير الخطيب الشربيني [ ج ٣ ]
تفسير الخطيب الشربيني [ ج ٣ ]
المؤلف :محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار الكتب العلميّة
الصفحات :736
تحمیل
دخلت على خلق العرش بل على رفعه على السموات وهو في اللغة سرير الملك وفي رفع قوله تعالى (الرَّحْمنُ) أوجه ؛ أحدها : أنه خبر الذي خلق أو خبر مبتدأ مضمر أي : هو الرحمن ولهذا أجاز الزجاج وغيره الوقف على العرش ، ثم يبتدىء الرحمن أي : هو الرحمن الذي لا ينبغي السجود والتعظيم إلا له ، أو يكون بدلا من الضمير في استوى ، وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي.
واختلف في معنى الفاء في قوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ) على قولين ؛ أحدهما : أنها على بابها وهي متعلقة بالسؤال ، والمراد بقوله : (خَبِيراً) أي : عالما يخبرك بحقيقته هو الله تعالى ، ويكون من التجريد كقوله : رأيت به أسدا والمعنى : فاسأل الله الخبير بالأشياء قال الزمخشري : أو فاسأل بسؤاله خبيرا كقولك : رأيت به أسدا أي : برؤيته انتهى. فقال الكلبي : فقوله به يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش ، والباء من صلة الخبير وذلك الخبير هو الله تعالى ، لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق السموات والأرض ، والاستواء على العرش ، ولا يعلمها أحد إلا الله تعالى ، والثاني : أن تكون الباء بمعنى عن إما مطلقا وإما مع السؤال خاصة كهذه الآية ، وكقول علقمة بن عبدة (١) :
فإن تسألوني بالنساء فإنني |
|
خبير بأدواء النساء طبيب |
والضمير في به لله وخبيرا من صفات الملك وهو جبريل عليهالسلام ، فعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبريل وإنما قدم لرؤوس الآي وحسن النظم ، وقال ابن جرير : الباء في به صلة والمعنى : فاسأله خبيرا ، وخبيرا نصب على الحال وقيل : به يجري مجرى القسم كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) [النساء ، ١] ، وقيل : فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة الكذاب ، وكان يقال له : رحمن اليمامة ، وقيل : فاسأل بسبب سؤالك إياه خبيرا عن هذه الأمور وكل أمر تريده فيخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالا ومآلا ، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين ، فإنه ما أرسلك إلا وهو عالم بهم فسيعلي كعبك عليهم ويحسن لك العاقبة ، وقرأ ابن كثير والكسائي بالنقل ، وكذا يقرأ حمزة في الوقف ، والباقون بسكون السين وفتح الهمزة.
ولما ذكر تعالى إحسانه إليهم وإنعامه عليهم ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم بقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) : أي : من أي قائل قال لهؤلاء الذين يتقلبون في نعمه : (اسْجُدُوا) أي : اخضعوا بالصلاة وغيرها (لِلرَّحْمنِ) أي : الذي لا نعمة لكم إلا منه (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) متجاهلين في معرفته فضلا عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل ، وقال ابن عربي : إنما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم بالصفة دون الموصوف ، ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه بقولهم : (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره ، والإنكار على الداعي إليه أيضا بأداة ما لا يعقل (وَزادَهُمْ) أي : هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكرا للنعمة وطمعا في الزيادة (نُفُوراً) أي : عن الإيمان والسجود.
تنبيه : هذه السجدة من عزائم سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع والسامع أن يسجد عند
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٣٥ ، وأدب الكاتب ص ٥٠٨ ، والأزهية ص ٢٨٤ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٩.