وعدت وكان الخلف منك سجية |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب |
وقال آخر (١) :
وقد وعدتك موعدا لو وفت به |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب |
وقرأ لا مقام حفص بضم الميم أي : لا إقامة (لَكُمْ) في مكان القتال ومصارعة الأبطال ، والباقون بفتحها أي : لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه (فَارْجِعُوا) إلى منازلكم عن أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم وقيل : عن القتال إلى منازلكم.
ولما بين تعالى هؤلاء الذين هتكوا الستر وبينوا ما هم فيه من سفول الأمر أتبعهم آخرين تستروا ببعض الستر متمسكين بأذيال النفاق خوفا من أهوال الشقاق بقوله تعالى : (وَيَسْتَأْذِنُ) أي : يجدد كل وقت طلب الإذن لأجل الرجوع إلى البيوت والكون مع النساء (فَرِيقٌ مِنْهُمُ) أي : طائفة شأنها الفرقة (النَّبِيَ) في الرجوع ، وقد رأوا ما حواه من علو المقدار بما له من حسن الخلق والخلق وما له من جلالة الشمائل وكرم الخصائل ، وهم بنو حارثة وبنو سلمة (يَقُولُونَ) أي : في كل قليل مؤكدين لعلمهم بكذبهم وتكذيب المؤمنين قولهم (إِنَّ بُيُوتَنا) أتوا بجمع الكثرة إشارة إلى كثرة أصحابهم من المنافقين (عَوْرَةٌ) أي : غير حصينة بها خلل كبير يمكن كل من أراد من الأحزاب أن يدخلها يدخلها منه ، وقيل قصيرة الجدران فإذا ذهبنا إليها حفظناها منهم وكفينا من يأتي إلينا من مفسديهم حماية للدين وذبا عن الأهلين ، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء والباقون بالكسر ، ثم أكذبهم الله تعالى بقوله تعالى : (وَما) أي : والحال أنها ما (هِيَ بِعَوْرَةٍ) في ذلك الوقت الذي قالوا هذا فيه ولا يريدون بذهابهم حمايتها (إِنَ) أي : ما (يُرِيدُونَ) باستئذانهم (إِلَّا فِراراً) من القتال.
ولما كانت عنايتهم مشتدة بملازمة دورهم ، فأظهروا اشتداد العناية بحمايتها زورا بين تعالى ذلك بقوله تعالى : (وَلَوْ دُخِلَتْ) أي : بيوتهم أو المدينة ، وأنث الفعل نصا على المراد وإشارة إلى أن ما ينسب إليهم جدير بالضعف ، وأتى بأداة الاستعلاء بقوله تعالى : (عَلَيْهِمْ) إشارة إلى أنه دخول غلبة (مِنْ أَقْطارِها) أي : جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب ، وحذف الفاعل للإيماء بأن دخول هؤلاء الأحزاب ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه (ثُمَّ سُئِلُوا) من أي سائل كان (الْفِتْنَةَ) أي : الشرك ومقاتلة المسلمين وقرأ لأتوها نافع وابن كثير بقصر الهمزة لجاؤها أو فعلوها ، والباقون بالمد أي : لأعطوها إجابة لسؤال من سألهم (وَما تَلَبَّثُوا بِها) أي : ما احتبسوا عن الفتنة (إِلَّا يَسِيراً) أي : لأسرعوا إلى الإجابة للشرك طيبة بها نفوسهم ، فعلم بذلك أنهم لا يقصدون إلا الفرار لا حفظ البيوت من المضار ، وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن : المراد بالفتنة الخروج من البيوت سمى بذلك لأن الإنسان لا يخرجه من بيته إلا الموت أو ما هو يقاربه ، فكأنه فتنة ، وعلى هذا يكون الضمير في بها راجعا للبيوت أو المدينة
__________________
١ / ١١٣ (بروايتين مختلفتين في الصدر) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٧٣ ، ٢٥٣ ، ١١٩٨ ، وشرح قطر الندى ص ٢٦١ ، والكتاب ١ / ٢٧٢ ، والمقرب ١ / ١٣١ (وراجع ديوان الشماخ ص ٤٣٠ ـ ٤٣٢).
(١) هي رواية أخرى للصدر ، انظر الحاشية السابقة.