بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ، فعمل فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون حتى أكملوه وأحكموه ، قال أنس رضي الله عنه : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال (١) :
اللهم إن العيش عيش الآخره |
|
فاغفر للأنصار والمهاجره (٢) |
فقالوا مجيبين له (٣) :
نحن الذين بايعوا محمدا |
|
على الجهاد ما بقينا أبدا |
قال البراء : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبرّ بطنه وهو يقول (٤) :
والله لو لا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلينا |
فأنزلن سكينة علينا |
|
وثبت الأقدام إن لاقينا |
إن الأولى قد بغوا علينا |
|
إذا أرادوا فتنة أبينا |
ورفع بها صوت أبينا أبينا» (٥) فلما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الخندق أقبلت قريش في عشرة آلاف من الأحابيش ، وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان حتى نزلت بمجمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة ، وأقبلت غطفان في ألف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن ، وعامر بن الطفيل من هوازن ، وانضافت لهم اليهود من قريظة والنضير حتى نزلوا إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا إلى الآطام ، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة ، وكان بنو غطفان من أعلى الوادي من قبل المشرق ، وقريش من أسفل الوادي من قبل المغرب كما قال تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ) وهو بدل من إذ جاءتكم (مِنْ فَوْقِكُمْ) أي : من أعلى الوادي (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي : من أسفل الوادي (وَإِذْ) أي : واذكر حين (زاغَتِ الْأَبْصارُ) أي : مالت عن سداد القصد فعل الواله الجزع بما حصل لهم من الغفلة الحاصلة من الرعب ، وقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم كناية عن شدة الرعب والخفقان. قال البقاعي : ويجوز وهو الأقرب أن يكون ذلك حقيقة بجذب الطحال والرئة لها عند ذلك بانتفاخهما إلى أعلى الصدر ، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره أي : رئته.
فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عمرو وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) الرجز في المسند ٣ / ١٧٠ ، ١٨٧ ، ٢٤٤ ، ٢٧٨ ، ٢٨٨ ، ٦ / ٢٨٩ ، ٣١٥ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٤٣.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٩٠٦.
(٣) الرجز بلا نسبة في الدرر ١ / ٢٨٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٧.
(٤) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٨ ، ولعامر بن الأكوع في المقاصد النحوية ٤ / ٤٥١.
(٥) الحديث أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤١٠٤.