وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥))
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا صلىاللهعليهوسلم إلى أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم ، وخوّفه المنافقون من اليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي : دم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم : قم قائما أي : اثبت قائما فسقط بذلك ما يقال الأمر بالشيء لا يكون إلا عند اشتغال المأمور بغير المأمور به إذ لا يصح أن يقال للجالس : اجلس ، وللساكت : اسكت ، والنبي صلىاللهعليهوسلم كان متقيا لأن الأمر بالمداومة يصح في ذلك فيقال للجالس : اجلس هنا حتى آتيك ، ويقال للساكت : قد أحسنت فاسكت تسلم أي : دم على ما أنت عليه.
وأيضا من جهة العقل : أن الملك يتقى منه عادة على ثلاثة أوجه : بعضهم يخاف من عقابه ، وبعضهم يخاف من قطع ثوابه ، وثالث يخاف من احتجابه ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني ، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا ، فكيف والأمور البدنية شاغلة ، فالآدمي في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله ، ولهذا أشار بقوله عليه الصلاة والسلام (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠] يعني برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم ، فأمر بتقوى توجب إدامة الحضور ، وقال الضحاك : معناه اتق الله ولا تنقض الذي بينك وبينهم ، وقيل : الخطاب مع النبي صلىاللهعليهوسلم والمراد الأمة.
تنبيه : جعل الله تعالى نداء نبيه صلىاللهعليهوسلم بالنبي والرسول في قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) [التحريم : ١] (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [المائدة : ٦٧] وترك نداءه باسمه كما قال تعالى : يا آدم يا موسى يا عيسى يا داود كرامة وتشريفا وتنويها بفضله ، فإن قيل : إن لم يوقع اسمه في النداء فقد أوقعه في الأخبار في قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [الفتح : ٢٩] (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] أجيب : بأن ذلك لتعليم الناس أنه رسول الله وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به فلا تفاوت بين النداء والإخبار ، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الإخبار كيف ذكره بنحو ما ذكر في النداء (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِ) [الفرقان ، ٣٠] (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١] (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : ٦] (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) [المائدة : ٨١] (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] وقرأ نافع النبئ بالهمزة والباقون بغير همز.