بالباطل والأذى فإنّ الكل فعلنا لم يخرج منه شيء عن إرادتنا (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) أي : الذي له الكمال كله بنصرك وإظهار دينك على الدين كله وفي كل ما وعد به (حَقٌ) أي : ثابت جدّا يطابقه الواقع كما يكشف عنه الزمان وتأتي به مطايا الحدثان.
ولما كان التقدير فلا تعجل عطف عليه قوله تعالى (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) أي : يحملنك على الخفة ويطلب أن تخف باستعجال النصر خوفا من عواقب تأخيره وتنفيرك عن التبليغ (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي : أذى الذين لا يصدقون بوعدنا من البعث والحشر وغير ذلك تصديقا ثابتا في القلب بل هم إما شاكون وأدنى شيء يزلزلهم كمن يعبد الله على حرف ، أو مكذبون فهم بالغون في العداوة والتكذيب حتى أنهم لا يصدّقون في وعد الله بنصر الروم على فارس كأنهم على ثقة وبصيرة من أمرهم في أنّ ذلك لا يكون. فإذا صدق الله وعده في ذلك بإظهاره عن قرب علموا كذبهم عيانا ، وعلموا إن كان لهم علم أنّ الوعد بالساعة لإقامة العدل على الظالم والعود بالفضل على المحسن كذلك يأتي وهم صاغرون ويحشرون وهم داخرون.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء ، ٢٢٧] فقد انعطف آخر السورة على أوّلها واتصل به اتصال القريب بالقريب. وها أنا أسأل الله تعالى القريب المجيب أن يغفر ذنوب من كتب هذا وهو محمد الشربيني الخطيب ويفعل ذلك بوالديه وأولاده ومشايخه وكل محب له وحبيب ، وقول البيضاوي تبعا للزمخشريّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك يسبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما صنع في يومه وليلته» (١) حديث موضوع رواه الثعلبيّ في تفسيره والله تعالى أعلم بالصواب.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٥.