(الْأَرْضَ) بإخراج النبات (بَعْدَ
مَوْتِها) أي : يبسها (إِنَّ
ذلِكَ) أي : القادر العظيم الشأن الذي قدر على إحياء الأرض (لَمُحْيِ الْمَوْتى) كلها من الحيوانات والنباتات أي : ما زال قادرا على ذلك
كما قال تعالى (وَهُوَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من ذلك وغيره (قَدِيرٌ) لأنّ نسبة القدرة منه سبحانه وتعالى إلى كل ممكن على حد
سواء.
ولما بين أنهم
عند توقف الخير يكونون آيسين وعند ظهوره يكونون مستبشرين بين أن تلك الحالة أيضا
لا يدومون عليها بقوله تعالى :
(وَلَئِنْ
أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ
(٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا
وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ
تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ
مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا
غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ
فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ
لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ
جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ
مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
(٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا
يُوقِنُونَ (٦٠))
(وَلَئِنْ
أَرْسَلْنا) أي : بعد وجود هذا الأثر الحسن (رِيحاً) عقيما (فَرَأَوْهُ) أي : الأثر لأنّ الرحمة هي الغيث وأثرها هو النبات أو
الزرع لدلالة السياق عليه (مُصْفَرًّا) قد بدل وأخذ في التلف من شدّة يبس الريح إمّا بالحرّ أو
البرد ، وقيل : رأوا السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر ، ويجوز أن يكون الضمير
للريح من التعبير بالسبب عن المسبب.
تنبيه : اللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط. وقوله تعالى (لَظَلُّوا) أي : لصاروا (مِنْ
بَعْدِهِ) أي : اصفراره (يَكْفُرُونَ) أي : بيأسهم من روح الله ، جواب سدّ مسدّ الجزاء ولذلك
فسر بالاستقبال ..
تنبيه : سمى النافعة رياحا والضارّة ريحا لوجوه : أحدها : أنّ
النافعة كثيرة الأنواع كثيرة الأفراد فجمعها لأن في كل يوم وليلة تهب نفحات من
الرياح النافعة ولا تهب الريح الضارّة في أعوام بل الضارّة لا تهب في الدهور.
ثانيها : أنّ النافعة لا تكون إلا رياحا وأما الضارة فنفخة واحدة تقبل كريح
السموم. ثالثها : جاء في الحديث أنّ ريحا هبت فقال عليه الصلاة والسلام : «اللهمّ
اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» إشارة إلى قوله تعالى (أَرْسَلْنا
عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] وقوله تعالى (رِيحاً
صَرْصَراً) إلى قوله (تَنْزِعُ
النَّاسَ) [القمر : ٢٠].
ولما علم الله
تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم وجوه الأدلة ووعد وأوعد لم يزدهم دعاؤه إلا فرارا وكفرا
وإرصادا قال تعالى : (فَإِنَّكَ
لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي : ليس في قدرتك إسماع الذين لا حياة لهم فلا نظر ولا
سمع ، أو موتى القلوب إسماعا ينفعهم لأنه مما اختص به الله تعالى ، وهؤلاء مثل
__________________