فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي : التوراة مع ما فيها من الشرائع والأحكام (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : برهان بيّن ظاهر على صدق نبوّته ورسالته وقيل : المراد بالآيات المعجزات وبالسلطان المبين العصا ؛ لأنها أظهر الآيات ، وذلك لأنّ الله تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات وهي العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص من الثمرات والسنين ، ومنهم من أبدل نقص الثمرات والسنين بإظلال الجبل وفلق البحر. قال بعض المحققين : سميت الحجة سلطانا لأنّ صاحب الحجة يقهر من لا حجة له ، كالسلطان يقهر غيره ، والعلماء سلاطين بسبب كمالهم في القوّة العلمية ، والملوك سلاطين بحسب ما معهم من القدرة والمكنة إلا أن سلطنة العلماء أكمل وأقوى من سلطنة الملوك ؛ لأنّ سلطنة العلماء لا تقبل النسخ والعزل وسلطنة الملوك تقبلهما ولأنّ سلطنة الملوك تابعة لسلطنة العلماء ، لأنّ سلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنة.
(إِلى فِرْعَوْنَ) طاغية القبط (وَمَلَائِهِ ،) أي : أشراف قومه الذين تتبعهم الأذناب ؛ لأنّ القصد الأكبر رفع أيديهم عن بني اسرائيل (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ،) أي : اتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل ولم يتبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات الظاهرة الباهرة لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ،) أي : بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير وقيل : رشيد ذو رشد ، وانسلاخ فرعون من الرشد كان ظاهرا ؛ لأنه كان دهريا نافيا للصانع والمعاد وكان يقول : لا إله للعالم وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم وعبوديته رعاية لمصلحة العالم ، وكل الرشد في عبادة الله تعالى ومعرفته ، فلما كان هو نافيا لهذين الأمرين كان خاليا من الرشد بالكلية.
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال أو كما تقدم قومه في الدنيا فأدخلهم البحر وأغرقهم فكذا يتقدمهم في القيامة فيدخلهم النار كما قال تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ.) فإن قيل : لم لم يقل يقدم قومه فيوردهم النار بل أتى بلفظ الماضي؟ أجيب : بأنه إنما أتى بلفظ الماضي مبالغة في تحققه ، ونزل النار له منزلة الماء فسمّى إتيانها موردا ، ولهذا قال تعالى : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وردهم لأنّ الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد