شَيْخاً) قائم مقام أن يقال : أشير إلى بعلي حال كونه شيخا ، والمقصود تعريف هذه الحالة المخصوصة وهي الشيخوخة ، وكان ابن مائة وعشرين سنة في قول ابن إسحاق. وقال مجاهد : مائة سنة وكان بين البشارة والولادة سنة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ،) أي : إنّ الولد من هرمين فهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك
(قالُوا ،) أي : الملائكة لسارة (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) منكرين عليها ذلك ، أي : لا تعجبين من ذلك فإنّ الله تعالى قادر على كل شيء ، وإذا أراد شيئا كان سريعا فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوّة ومهبط المعجزات ، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس بمستغرب (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) أي : بيت إبراهيم وأهل منصوب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم : اغفر لنا أيتها العصابة وهذا على معنى الدعاء من الملائكة لهم بالخير والبركة ، وفيه دليل على أنّ أزواج الرجل من أهل بيته (إِنَّهُ) تعالى (حَمِيدٌ ،) أي : محمود على كل حال أو فاعل ما يستوجب به الحمد (مَجِيدٌ ،) أي : كثير الخير والإحسان.
القصة الخامسة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة لوط عليهالسلام المذكورة قوله تعالى :
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ ،) أي : الخوف وهو ما أوجس من الخيفة حين أنكر أضيافه واطمأن قلبه بعرفانهم (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) بدل الروع بالولد أخذ (يُجادِلُنا ،) أي : يجادل رسلنا (فِي) شأن (قَوْمِ لُوطٍ) وجواب «لما» أخذ يجادلنا إلا أنه حذف اللفظ لدلالة الكلام عليه. وقيل : تقديره لما ذهب عن إبراهيم الروع جادلنا. فإن قيل : كيف جادل إبراهيم الملائكة مع علمه بأنهم لا يمكنهم مخالفة أمر الله وهذا منكر؟ أجيب : بأنّ المراد من هذه المجادلة تأخير العذاب عنهم لعلهم يؤمنون ويرجعون عما هم فيه من الكفر والمعاصي ، لأنّ الملائكة قالوا : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [العنكبوت ، ٣١] أو أنّ مجادلته إنما كانت في قوم لوط بسبب مقام لوط فيهم ، ولهذا قال إبراهيم عليهالسلام : أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا : لا قال : أو أربعون؟ قالوا : لا. قال : فثلاثون. قالوا : لا. قال : فعشرون؟ قالوا : لا حتى بلغ خمسة قالوا : لا. قال : أرأيتم لو كان فيها رجل مسلم أتهلكونها؟ قالوا : لا. فعند ذلك قال : إنّ فيها لوطا. وقد ذكر الله تعالى هذا في سورة العنكبوت ، فقال : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [العنكبوت ، ٣١ ، ٣٢] قال ابن جريج : وكان في قرى لوط أربعة آلاف ألف ، ولو كانت هذه المجادلة مذمومة لما مدحه بقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ ،) أي : لا يتعجل مكافأة غيره بل يتأنى فيها فيؤخر أو يعفو. ومن هذا حاله يحب من غيره هذه الطريقة ، وهذا مدح عظيم من الله تعالى لإبراهيم ، ثم ضم إلى ذلك ما يتعلق بالحلم وهو قوله تعالى : (أَوَّاهٌ ،) أي : كثير التأوّه من الذنوب والتأسف على الناس. (مُنِيبٌ ،) أي : رجاع.
فلما أطال مجادلتهم قالوا له : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ،) أي : الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك فلا فائدة فيه : (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ،) أي : قضاؤه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ،) أي : لا سبيل إلى دفعه وردّه.