(فَعَقَرُوها) وذبحوها (فَقالَ) لهم عند بلوغه الخبر (تَمَتَّعُوا ،) أي : عيشوا (فِي دارِكُمْ) والتمتع التلذذ بالمنافع والملاذ التي تدرك بالحواس وذلك لا يحصل إلا للحي. وفي المراد من الدار وجهان : أحدهما : البلد وتسمى البلد الديار لأنه يدار فيها ، أي : يتصرّف فيها ، يقال : ديار بكر لبلادهم. الثاني : دار الدنيا ، أي : تمتعوا في الدنيا (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وذلك أنهم لما عقروا الناقة أنذرهم صالح عليه الصلاة والسّلام بنزول العقاب بعد هذه المدّة. قال ابن عباس : إنه تعالى لما أمهلهم تلك الأيام الثلاثة فقد رغبهم في الإيمان ثم قالوا لصالح عليهالسلام وما علامة ذلك؟ قال : تصير وجوهكم في اليوم الأول مصفرة وفي الثاني محمرة وفي الثالث مسودّة ثم يأتيكم العذاب في اليوم الرابع ، فلما رأوا وجوههم مسودّة أيقنوا حينئذ بالعذاب فتحنطوا واستعدوا للعذاب فصبحهم اليوم الرابع كما قال تعالى : (ذلِكَ ،) أي : الوعد العالي الرتبة في الصدق (وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ،) أي : فيه فاتسع في الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله (١) :
ويوم شهدناه ـ أي : ورب يوم شهدنا فيه ـ سليما وعامرا.
أو غير مكذوب على المجاز أو وعد غير كذب على أنه مصدر وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) في تفسيره ، وقراءة الهمزتين وعدد الذين آمنوا معه مثل ما تقدّم في قصة عاد (وَ) نجيناهم (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم أو فضيحتهم يوم القيامة. وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم من يومئذ على البناء لإضافتها إلى مبني ، وكسرها الباقون على الإعراب والأوّل أكثر (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُ) فهو يغلب كل شيء (الْعَزِيزُ ،) أي : القادر على منع غيره من غير أن يقدر أحد عليه.
ثم أخبر تعالى عن عذاب قوم صالح بقوله : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ،) أي : أنفسهم بالكفر (الصَّيْحَةُ ،) أي : صيحة جبريل عليهالسلام ، صاح بهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا أو أتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا جميعا ، كما قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ،) أي : باركين على الركب ميتين.
تنبيه : إنما قال تعالى : (وَأَخَذَ) ولم يقل : وأخذت ؛ لأنّ الصيحة محمولة على الصياح ، وأيضا فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل فكان الفاصل كالعوض من تاء التأنيث. وقوله تعالى : (كَأَنْ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف ، أي : كأنهم (لَمْ يَغْنَوْا ،) أي : يقيموا (فِيها ،) أي : ديارهم ولم يسكنوها مدة من الدهر يقال : غنيت بالمكان إذا أقمت به. وقوله تعالى : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) تفسيره ما تقدّم في قوله تعالى : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) [هود ، ٦٠] الآية. وقرأ حفص وحمزة (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) بغير تنوين للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة ، والباقون بالتنوين للذهاب إلى الحيّ أو إلى الأب الأكبر. ومن نوّن وقف على ألف
__________________
(١) البيت بتمامه :
ويوم شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى الطعن النهال نوافله |
والبيت من الطويل ، وهو لرجل من بني عامر في الدرر ٣ / ٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٤٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٨١ ، ولسان العرب (جزي).