مساءتكم ، واختلف العلماء في هذا الأمر فقيل : للندب ، وقيل : للوجوب ، واستظهر (وَالَّذِينَ) أي : وليستأذنكم الذين ظهروا على عورات النساء ، ولكنهم (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) وقيده بقوله تعالى : (مِنْكُمْ) ليخرج الكفار والأرقاء ، وعبر عن البلوغ بالاحتلام ؛ لأنه أقوى دلائله (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) في اليوم والليلة ، وقيل : ثلاث استئذانات في كل مرة ، فإن لم يحصل الإذن رجع المستأذن كما تقدم المرّة الأولى من الأوقات الثلاث (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ ؛) لأنه وقت القيام من المضاجع ، وطرح ثياب النوم (وَ) المرّة الثانية (حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ) أي : التي للخروج بين الناس (مِنَ الظَّهِيرَةِ) أي : شدة الحرّ ، وهو انتصاف النهار (وَ) المرّة الثالثة (مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ؛) لأنه وقت الانفصال من ثياب اليقظة والاتصال بثياب النوم ، وخص هذه الأوقات ؛ لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب والالتحاف باللحاف ، وأثبت من في الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه ، وأسقطها في الأوسط دلالة على استغراقه ؛ لأنه غير منضبط ، ثم علل بقوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ) أي : اختلالات في التستر والتحفظ (لَكُمْ ؛) لأنها من ساعات وضع الثياب والخلوة ؛ قال البيضاوي : وأصل العورة الخلل ، ومنها اعورّ المكان ، ورجل أعور إذا بدا فيه خلل انتهى.
وسميت هذه الأوقات عورات ؛ لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فربما تبدو عورته ، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي في الوصل ثلاث بالنصب بتقدير أوقات منصوبا بدل من محل ما قبله قام المضاف إليه مقامه ، والباقون بالرفع على أنها خبر مبتدأ مقدر بعده مضاف ، وقام المضاف إليه مقامه أي : هي أوقات ، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده ، ثم بين سبحانه وتعالى حكم ما عدا ذلك بقوله تعالى مستأنفا (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) أي : في ترك الأمر (وَلا عَلَيْهِمْ) أي : المماليك والصبيان في ترك الاستئذان (جُناحٌ) أي : إثم وأصله الميل في الدخول عليكم في جميع الساعات (بَعْدَهُنَ) أي : بعد هذه الأوقات الثلاثة إذا هجموا عليكم ، ثم علل الإباحة في غيرها مخرجا لغيرهم بقوله تعالى : (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) أي : لعمل ما تحتاجون في الخدمة كما أنتم طوافون عليهم لعمل ما يصلحهم ويصلحكم في الاستخدام (بَعْضُكُمْ) طوّاف (عَلى بَعْضٍ) لعمل يعجز عنه الآخر أو يشق عليه فلو عم الأمر بالاستئذان لأدى إلى الحرج.
فإن قيل : بما رفع (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ؟) أجيب : بأنه رفع بالابتداء وخبره على بعض أي : طوّاف على بعض ، وحذف ؛ لأنّ طوافون يدل عليه ، ويجوز أن يرتفع بيطوف مضمرا لتلك الدلالة (كَذلِكَ) أي : كما بين ما ذكر (يُبَيِّنُ اللهُ) أي : بما له من إحاطة العلم والقدرة (لَكُمْ) أيتها الأمة (الْآياتِ) في الأحكام وغيرها بعلمه وحكمته (وَاللهُ) أي : الذي له الإحاطة العامة بكل شيء (عَلِيمٌ) بكل شيء (حَكِيمٌ) فيما يريده ، فلا يقدر أحد على نقضه ، وختم الآية بهذا الوصف يدل على أنها محكمة لم تنسخ ، واختلف في ذلك فقال الزمخشري : عن ابن عباس أنه قال : آية لا يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن ، وإني لآمر جاريتي أي : زوجتي أن تستأذن علي ، وسأله عطاء : أستأذن على أختي؟ قال : نعم وإن كانت في حجرك تمونها ، وتلا هذه الآية ، وعنه ثلاث آيات جحدهنّ الناس ؛ الإذن كله ، وقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات ، ١٣] فقال الناس : أعظمكم بيتا ، وقوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) [النساء ، ٨] ، وعن ابن مسعود : عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم ، وعن الشعبي : ليست منسوخة ، فقيل له : إن الناس لا