وإن طال ؛ لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه (وَآتُوا الزَّكاةَ) فإنها نظام ما بينكم وبين إخوانكم (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أي : في كل حال يأمركم به ، وكررت طاعة الرسول تأكيدا لوجوبها (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : لتكونوا على رجاء من الرحمة ممن لا راحم في الحقيقة غيره.
والفاعل في قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَ) ضمير المخاطب أي : لا تحسبن أيها المخاطب (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : وإن ازدادت كثرتهم على العدّ وتجاوزت عظمتهم الحدّ (مُعْجِزِينَ) أي : لأهل ودنا ، وقيل : لنا (فِي الْأَرْضِ) أي : فإنهم مأخوذون لا محالة ، وقرأ ابن عامر وحمزة ، بالياء على الغيبة قال النحاس : ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يلحن قراءة حمزة فمنهم من يقول : هي لحن ؛ لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن ، وأجيب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أن المفعول الأول محذوف تقديره : ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين إلا إنّ حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين ، ومنه قول عنترة (١) :
ولقد نزلت فلا تظني غيره |
|
مني بمنزلة المحب المكرم |
أي : فلا تظني غيره واقعا.
والثاني : أن المفعولين هما قوله : (مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) قاله الكوفيون ، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب ، وفتح السين ابن عامر وعاصم وحمزة ، وكسرها الباقون ، وقوله تعالى : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي : مسكنهم معطوف على لا تحسبن الذين كفروا معجزين ، كأنه قيل : الذين كفروا لا يفوتون أهل ودنا أو لا يفوتوننا ومأواهم النار المراد بهم المقسمون عليه بالله جهد أيمانهم ، ولما كانت سكنى الشيء لا تكون إلا بعد المصير إليه ، قال تعالى : (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : المرجع مصيرها ، فكيف إذا كان على وجه السكنى؟
واختلف في سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية ، فقال ابن عباس : وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم غلاما من الأنصار يقال له : مدلج بن عمرو إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك ، فنزلت.
وقال مقاتل : نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير ، فدخل عليها في وقت فكرهته فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها ، فنزلت ، واللام في (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) للأمر ، وملك اليمين يشمل العبيد والإماء.
قال بعض المفسرين : هذا الخطاب وإن كان ظاهره للرجال ، فالمراد به الرجال والنساء ؛ لأن التذكير يغلب على التأنيث قال الرازي : والأولى عندي أن الحكم ثابت في النساء بقياس جلي ؛ لأن النساء في باب العورة أشد حالا من الرجال ، فهو كتحريم الضرب بالقياس على حرمة التأفيف ، وقال ابن عباس : هي في الرجال والنساء أي : البالغين أو من قاربوا البلوغ يستأذنون على كل حال في الليل والنهار للدخول عليكم كراهة الاطلاع على عوراتكم والتطرق بذلك إلى
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ص ١٩١ ، وأدب الكاتب ص ٦١٣ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤٠٥ ، والاشتقاق ص ٣٨ ، والأغاني ٩ / ٢١٢ ، وجمهرة اللغة ص ٥٩١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٢٧ ، والخصائص ٢ / ٢١٦ ، والدرر ٢ / ٢٥٤ ، ولسان العرب (حبب) ، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ٢٢٥ ، والمقرب ١ / ١١٧.