وقال في موضع آخر : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء ، ٥] ، ثم أجاب الله تعالى عن رسوله صلىاللهعليهوسلم بقوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ) أي : بيان (ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية المشتمل عليه القرآن أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذب الرسل فما يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بالفوقية على التأنيث ، والباقون بالتحتية على التذكير
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ) معاملة لهم في عصيانهم (بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) أي : هذا القرآن المذكور في الآية الماضية وما قاربها ، وفي قوله تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) [طه ، ١١٤] وفي مثنى السورة في : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [طه ، ٢] أو من قبل محمد صلىاللهعليهوسلم (لَقالُوا) أي : يوم القيامة (رَبَّنا) يا من هو متصف بالإحسان إلينا (لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يأمرنا بطاعتك (فَنَتَّبِعَ) أي : فيتسبب عنه أن نتبع (آياتِكَ) التي تنجينا بها (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) بالعذاب هذا الذل (وَنَخْزى) بالمعاصي التي عملناها على جهل ، فلأجل ذاك أرسلناك إليهم ، وأقمنا بك الحجة عليهم ، ولما علم بهذا أنّ إيمانهم كالممتنع ، وجدالهم لا ينقطع بل إن جاءهم الهدى طعنوا فيه ، وإن عذبوا قبله تظلموا كان كأنه قيل : فما الذي أفعل معهم؟ فقيل :
(قُلْ) لهم (كُلٌ) أي : كل مني ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) أي : منتظر ما يؤول إليه أمري وأمركم (فَتَرَبَّصُوا) فأنتم كالبهائم ليس لكم تأمل (فَسَتَعْلَمُونَ) أي : عما قريب بوعد لا خلف فيه ، وهو يوم القيامة (مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ) أي : الطريق (السَّوِيِ) أي : المستقيم (وَمَنِ اهْتَدى) أي : من الضلال ، فحصل على جميع ما ينفعه واجتنب جميع ما يضره أنحن أم أنتم؟ قال ابن عادل : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله عزوجل قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمّة ينزل عليها هذا ، وطوبى لألسن تتكلم بهذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا» (١) ، وعن الحسن أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا يس وطه» (٢) انتهى ، ولم يذكر لذلك سندا ، وأما ما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ طه أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار» (٣) فحديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه الدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٤١٤.
(٢) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٨٥ ، والقرطبي في تفسيره ١٥ / ٢.
(٣) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٨٥.