عَيْنَيْكَ) وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (١) ، وقال أبو الدرداء : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له ، وعن الحسن لو لا حمق الناس لخربت الدنيا ، وعن عيسى ابن مريم : لا تتخذوا الدنيا دارا ، فتتخذكم لها عبيدا.
ولما أمر الله تعالى نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم بتزكية النفس أمره بأن يأمر أهله بالصلاة بقوله عزوجل : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أي : أمر أهل بيتك والتابعين لك من أمتك بالصلاة كما كان أبوك إسماعيل يدعوهم إلى كل خير إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم ، ولا يهتموا بأمر المعيشة ، ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة ، وكان صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي رضي الله عنهما كل صباح ويقول : الصلاة (وَاصْطَبِرْ) أي : داوم (عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ) أي : نكلفك (رِزْقاً) لنفسك ولا لغيرك (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) وغيرك كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات ، ٥٦ ـ ٥٨] ففرّغ بالك لأمور الآخرة ، وفي معناه قول الناس : من كان في عمل الله كان الله في عمله.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم كان إذا أصاب أهله ضرّ أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية ، وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلطان قرأ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية ، ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وعن بكر بن عبد الله المزني كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلوا بهذا أمر الله رسوله ، ثم يتلو هذه الآية : (وَالْعاقِبَةُ) أي : الجميلة المحمودة (لِلتَّقْوى) أي : لأهل التقوى قال ابن عباس : الذين صدقوك واتبعوك واتقوني ، ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف ، ١٢٨] ، ولا معونة على الرزق وغيره بشيء يوازي الصلاة ، فقد كان صلىاللهعليهوسلم إذا حز به أمر أي بالباء الموحدة أي : إذا أحزنه فزع إلى الصلاة قال ثابت : وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى : تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك» (٢) ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به هموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» (٣) وعن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة همه جمع الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة» (٤).
ثم إنه تعالى بعد هذه الوصية حكى عنهم شبها بقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) فكأنه من لوازم قوله تعالى : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) وهو قولهم : (لَوْ لا) أي : هلا يأتينا بآية،
__________________
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٢٥٦٤.
(٢) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٤٦٦ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٠٧.
(٣) أخرجه ابن ماجه في المقدمة حديث ٢٥٧.
(٤) أخرجه ابن ماجه في الزهد حديث ٤١٠٥.