وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤))
(قالَ يا هارُونُ) أنت نبي الله ، وأخي ووزيري وخليفتي ، فأنت أولى الناس بأن ألومه ، وأحقهم بأن أعاتبه (ما مَنَعَكَ إِذْ) أي : حين (رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) عن طريق الهدى واتبعوا سبيل الردى (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) في سيرتي من الأخذ على يد الظالم طوعا أو كرها.
تنبيه : لا مزيدة للتأكيد ؛ لأن النافي إذا زيد في كلام كان نافيا لضد مضمونه فيفيد إثباتا للمضمون ونفيا لضده ، فيكون ذلك في غاية التأكيد ، وأثبت الياء بعد النون ابن كثير وقفا ووصلا ، وأثبتها نافع وأبو عمرو وصلا لا وقفا ، وحذفها الباقون وصلا ووقفا (أَفَعَصَيْتَ) أي : فتكبرت عن اتباعي ، فتسبب عن ذلك أنك عصيت (أَمْرِي) وأخذ بلحيته وبرأسه يجره إليه غضبا لله تعالى ، فكأنه قيل : ما قال له؟ فقيل :
(قالَ) مجيبا له مستعطفا بذكر أول وطن ضمهما بعد نفخ الروح مع ما له من الرقة والشفقة (يَا بْنَ أُمَ) فذكره بها خاصة وإن كان شقيقه ؛ لأنها يسوءها ما يسوءه ، وهي أرق من الأب ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص بفتح الميم ، وكسرها ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) أي : بشعرهما. ثم علل ذلك بقوله : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ) إذا شددت عليهم حتى يصل الأمر إلى القتال (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) بفعلك هذا الذي لم يجسد شيئا لقلة من كان معك وضعفك عن ردهم (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف ، ١٤٢] ، ولم تقل : وارددهم ، ولو أدى الأمر إلى السيف.
ولما فرغ من نصيحة أقرب الناس إليه ، وأحقهم بنصيحته وحفظه على الهدى إذ كان رأس الهداة تشوف السامع إلى ما كان من غيره ، فاستأنف تعالى ذكره بقوله : (قالَ) أي موسى لرأس أهل الضلال معرضا عن أخيه بعد قبول عذره جاعلا ما نسب إليه سببا لسؤاله عن الحامل له عليه (فَما خَطْبُكَ؟) أي : أمرك هذا العجب العظيم الذي حملك على ما صنعت ، وأخبرني ربي أنك أضللتهم به (يا سامِرِيُّ.)
(قالَ) السامري : مجيبا له (بَصُرْتُ) من البصر والبصيرة (بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي : رأيت ما لم ير بنو اسرائيل ، وعرفت ما لم يعرفوا ، وقال ابن عباس : علمت ما لم يعلموا ، ومنه قولهم : رجل بصير ، أي : عالم قاله أبو عبيدة وأراد أنه رأى جبريل ، فأخذ من موضع حافر دابته قبضة من تراب كما قال : (فَقَبَضْتُ) أي : فكان ذلك سببا ؛ لأن قبضت (قَبْضَةً) أي : مرة من القبض أطلقها على المقبوض تشبيها للمفعول بالمصدر (مِنْ أَثَرِ) فرس ذلك (الرَّسُولِ) أي : المعهود