وحمزة والكسائي بفتح الحاء والميم مخففة (أَوْزاراً) أي : أثقالا (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) أي : حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو اسرائيل بسبب عرس ، وقيل : استعاروها لعيد كان لهم ، ثم لم يردوها عند الخروج مخافة أن يعلموا به ، وقيل : هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ، قال البيضاوي : ولعلهم سموها أوزارا لأنها آثام فإن الغنائم لم تكن تحل بعد ، ولأنهم كانوا مستأمنين ، وليس للمستأمن أن يأخذ من مال الحربي (فَقَذَفْناها) أي : في النار (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) أي : ما كان معه إما من المال أو من أثر الرسول ، روي أن موسى لما وعده ربه أن يكلمه استخلف على قومه أخاه هارون ، وأجلهم ثلاثين يوما ، وذهب فصامها ليلها ونهارها ، ثم كره أن يكلم ربه ، وريح فمه متغير ، فمضغ شيئا من نبات الأرض ، فقال له ربه : أوما علمت أن ريح الصائم أطيب من ريح المسك ، ارجع فصم عشرا ، وقيل : إنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة ، وحسبوها أربعين بأيامها ، وقالوا : قد كملت العدة ، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم ساءهم ذلك ، وكان هارون قد خطبهم وقال : إنكم خرجتم من مصر ، ولقوم فرعون عندكم عوار ، فاحفروا حفرة وألقوها فيها ، ثم أوقدوا عليها نارا ، فلا يكون لنا ولا لهم ، وكان السامري قد رأى أثرا ، فقبض منه قبضة ، فمر بهارون فقال له : يا سامري ألا تلقي ما في يدك ، فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ، ولا ألقيها على شيء إلا أن تدعوا الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد ، فألقاها ودعا له هارون فقال : أريد أن يكون عجلا ، فاجتمع ما في الحفرة وصار عجلا ، فهذا معنى قوله تعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) من ذلك الحلي المذاب به جوف ليس فيه روح (لَهُ خُوارٌ) أي : صوت يسمع ؛ قال ابن عباس : لا والله ما كان له صوت قط ، وإنما كان الريح يدخل في دبره ، فيخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك ، وقيل : إنه صاغه ، ووضع التراب بعد صوغه في فمه (فَقالُوا :) أي السامري : ومن افتتن به أول ما رأوه مشيرين إلى العجل (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) أي : فنسيه موسى ، وذهب يطلبه عند الطور ، أو فنسي السامري ، أي : ترك ما كان عليه من الإيمان.
(أَفَلا يَرَوْنَ) أي : قالوا ذلك فتسبب عن قولهم علمهم عن روية (أن) أي : أنه (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) والإله لا يكون أبكم (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا) فيخافوه كما كانوا يخافون فرعون ، فيقولون ذلك خوفا من ضرره (وَلا نَفْعاً) فيقولون ذلك رجاء له.
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) أي : قبل رجوع موسى مستعطفا لهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ) أي : وقع اختياركم فاختبرتم في صحة إيمانكم وصدقكم فيه ، وثباتكم عليه (بِهِ) أي : بهذا العجل في إخراجه لكم على هذه الهيئة الخارقة للعادة ، وأكد لأجل إنكارهم ، فقال : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ) أي : الذي أخرجكم من العدم ، ورباكم بالإحسان (الرَّحْمنُ) وحده الذي فضله عامّ ونعمه شاملة ، فليس على بر ولا فاجر نعمة إلا وهي منه تعالى قبل أن يوجد العجل ، وهو كذلك بعده ، ومن رحمته قبول التوبة ، فخافوا نزع نعمه بمعصيته ، وأرجوا إسباغها بطاعته (فَاتَّبِعُونِي) بغاية جهدكم في الرجوع إليه (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) أي : في الثبات على الدين.
(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ) أي : العجل (عاكِفِينَ) أي : مقيمين (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فدافعهم فهموا به ، وكان معظمهم قد ضل فلم يكن معه من يقوى بهم ، فخاف أن يجاهد بهم الكفار ، فلا يفيد ذلك شيئا مع أن موسى لم يأمره بجهاد من ضل ، وإنما قال له : (وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ