يَحْيى) فيها حياة مهنأة ، وبها يندفع ما قيل : إن الجسم الحيّ لا بد أن يبقى إمّا حيا أو ميّتا ، فخلوه عن الوصفين محال ، وقال بعضهم : إن لنا حالة ثالثة ، وهي كحالة المذبوح قبل أن يهدأ ، فلا هو حي لأنه قد ذبح ذبحا لا تبقى الحياة معه ، ولا هو ميت ؛ لأن الروح لم تفارقه بعد ، فهي حالة ثالثة.
(وَمَنْ يَأْتِهِ) أي : ربه الذي قد أوجده ورباه (مُؤْمِناً) أي : مصدقا به (قَدْ) ضم إلى تصديق الإيمان أنه (عَمِلَ) أي : في الدنيا (الصَّالِحاتِ) أي : التي أمر بها ، فكان صادق الإيمان مستلزما لصالح الأعمال (فَأُولئِكَ) أي : العالوا الرتبة (لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) جمع علياء مؤنث أعلى التي لا نسبة لدرجاتك التي أوعدتناها إليها.
ثم بينوها بقولهم : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي : أعدت للإقامة وهيئت فيها أسبابها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : من تحت غرفها وأسرتها وأرضها ، فلا يراد موضع منها ؛ لأن يجري فيه نهر الأجرى ، وقولهم : (خالِدِينَ فِيها) حال والعامل فيها معنى الإشارة أو الاستقرار (وَذلِكَ جَزاءُ) كل (مَنْ تَزَكَّى) أي : تطهر من أدناس الكفر.
تنبيه : هذه الآيات الثلاث وهي من قوله : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) إلى هنا يحتمل أن تكون من كلام السحرة كما تقرر ، وأن تكون ابتداء كلام من الله تعالى ، وقوله تعالى :
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) عطف على قوله : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا) [طه ، ٥٦] وفيه دليل على أن موسى كثر مستجيبوه ، فأراد الله تعالى تمييزهم من طبقة فرعون وخلاصهم ، فأوحى إليه أن يسري بهم ليلا ، والسري اسم لسير الليل ، والإسراء مثله ، والحكمة في السري بهم لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادهم ، أو ليكون ذلك عائقا لفرعون عن طلبه وتتبعه ، أو ليكون إذا تقارب العسكر أن لا يرى عسكر موسى عليه الصلاة والسّلام عسكر فرعون لعنه الله فلا يهابونهم.
وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون وهمزة وصل بعدها من سرى ، والباقون بسكون النون ، وهمزة قطع بعدها من أسرى لغتان أي أسر ببني اسرائيل من أرض مصر التي لينت قلب فرعون لهم