واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة.
وقيل : كان ذلك التعقد خلقة فسأل الله تعالى إزالته واختلفوا في أنه لم طلب حل تلك العقدة؟ فقيل : لئلا يقع خلل في أداء الوحي وقيل لئلا يستخف بكلامه فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه وقيل : لإظهار المعجزة كما أنّ حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزا في حقه فكذا إطلاق لسان موسى معجز في حقه واختلفوا في زوال العقدة بكمالها فقيل : بقي بعضها لقوله : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) [القصص ، ٣٤] وقول فرعون ولا يكاد يبين وكان في لسان الحسين بن عليّ رضي الله تعالى عنهما رتة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ورثها من عمه موسى» (١) وقال الحسن : زالت بالكلية لقوله تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه ، ٣٦] وضعف هذا الرازي بأنه لم يقل : واحلل العقد من لساني بل قال : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله قال والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء وقال الزمخشري : وفي تنكير العقدة ولم يقل واحلل عقدة لساني أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهما جيدا أي : ولذا قال : (يَفْقَهُوا) أي : يفهموا (قَوْلِي) عند تبليغ الرسالة ولم يطلب الفصاحة الكاملة ومن لساني صفة للعقدة كأنه قيل : عقدة من عقد لساني.
تنبيه : استدل على أنّ في النطق فضيلة عظيمة بوجوه : أوّلها : قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن ، ٣] فماهية الإنسان هي الحيوان الناطق. ثانيها : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان قال زهير (٢) :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده |
|
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم |
وقالوا : ما الإنسان لو لا اللسان إلا بهيمة مرسلة أي : لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم ، وقالوا : المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، وقالوا : المرء مخبوء تحت لسانه. ثالثها : أنّ في مناظرة آدم مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ٣٣].
ولما رأى موسى أنّ التعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الودّ وزوال التهمة قربة عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى طلب المعاونة على ذلك بقوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) أي : معينا على الرسالة ولذلك قال عيسى ابن مريم : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [آل عمران ، ٥٢] وقال محمد صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر» (٣) وقال صلىاللهعليهوسلم : «إذا أراد الله تعالى بملك خيرا قيض له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن نوى خيرا أعانه وإن أراد شرّا كفه» (٤) وقال أنوشروان : لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ولا أكرم الدواب عن السوط ولا أعلم الملوك عن الوزير. ولما
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٨٤.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ١١٢ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٦٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢٦٦١ ، ٣٦١٢٠ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٣٤.
(٤) أخرجه النسائي في البيعة حديث ٤٢٠٤.