وَالْفِضَّةَ) [التوبة ، ٣٤] لمن لا يؤدي زكاتهما وما يتعلق بهما من الحقوق ، وعن سعيد بن جبير قال : كان الكنز صحفا فيها علم رواه الحاكم وصححه ، وعن ابن عباس قال : كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف يغضب عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه ، والويل كل الويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه ، قال البغوي : وهذا قول أكثر أهل التفسير وروي أيضا ذلك مرفوعا. قال الزجاج : الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ويجوز عند التقييد أن يقال عنه كنز علم وهذا اللوح كان جامعا لهما ، وقوله : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) فيه تنبيه على أن سعيه في ذلك كان لصلاحه فيراعى وتراعى ذريته ، وكان سياحا واسمه كاسح ، قال ابن عباس : حفظا لصلاح أبيهما وقيل : كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء ، قال محمد بن المنكدر : إن الله تعالى يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعشيرته وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم ، قال سعيد بن المسيب : إني أصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي ، وعن الحسن أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما : بم حفظ الله الغلامين قال : بصلاح أبيهما ، قال : فأبي وجدي خير منه ، قال : قد أنبأنا الله أنكم قوم خصمون وذكروا أيضا أن ذلك الأب الصالح كان من الذين تضع الناس الودائع عنده فيردها إليهم (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا) أي : الغلامان (أَشُدَّهُما) أي : الحلم وكمال الرأي (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) لينتفعا به وينفعا الصالحين.
تنبيه : أسند الإرادة في قوله : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب ، وثانيا في قوله : (فَأَرَدْنا) إلى الله وإلى نفسه لأنّ التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله تعالى بدله ، وثالثا في قوله : (فَأَرادَ رَبُّكَ) إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين ، أو لأن الأول في نفسه شرّ والثالث خير والثاني ممتزج ، أو لأنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه ، ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية ، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى لأنّ التكفل بصلاح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا لله تعالى أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسايط فإن قيل : اليتيمان هل أحد منهما عرف حصول ذلك الكنز تحت ذلك الجدار أم لا؟ فإن كان الأول امتنع أن يتركوا سقوط ذلك الجدار ، وإن كان الثاني فكيف يمكنهم بعد البلوغ استخراج ذلك الكنز ومعرفته والانتفاع به؟ وأجيب : لعلهما كانا جاهلين به إلا أن وصيهما كان عالما به ثم إن ذلك الوصي غاب وأشرف ذلك الجدار في غيبته على السقوط ، ولما قرّر الخضر هذه الجوابات قال : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي : إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة الله لأنها بأسرها ترجع إلى حرف واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى كما تقرّر (وَما فَعَلْتُهُ) أي : شيئا من ذلك (عَنْ أَمْرِي) أي : عن اجتهادي ورأيي بل بأمر من له الأمر وهو الله تعالى.
تنبيه : احتج من ادعى نبوّة الخضر بأمور أحدها : قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) والرحمة هي النبوّة ، قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [القصص ، ٨٦] والمراد من هذه الرحمة النبوة ، قال الرازي : ولقائل أن يقول مسلم : إنّ النبوة رحمة