الأوّل إلا بالتصرف الذي ينميه ويكثره. الثاني : روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : إذا احتاج أكل بالمعروف وإذا أيسر قضاه ، فإن لم يوسر فلا شيء عليه ، والوليّ تبقى ولايته على اليتيم. (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وهو إيناس الرشد منه بعد بلوغه كما بين تعالى ذلك في آية أخرى وهي قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) [النساء ، ٦]. ولما نهى سبحانه وتعالى عن ثلاثة أشياء وهي الزنا والقتل وأكل مال اليتيم أتبعها بثلاثة أوامر الأوّل قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) أي : إذا عاهدتم الله تعالى على فعل المأمورات وترك المنهيات أو الناس على فعل أو قول جائز وفي تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) وجوه الأوّل : أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسؤولا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف ، ٨٢]. ثانيها : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) أي : مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي. ثالثها : أن يكون هذا تخييلا كأن يقال للعهد لم نكثت وهلا أوفى بك تبكيتا للناكث كما يقال للموؤدة (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير ، ٩]. وكقوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) [المائدة ، ١١٦] والمخاطبة لعيسى عليهالسلام والإنكار على غيره.
الأمر الثاني : قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) أي : لغيركم فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم ولم تفوا الكيل. الأمر الثالث : قوله تعالى : (وَزِنُوا) أي : وزنا متلبسا (بِالْقِسْطاسِ) أي : ميزان العدل الذي هو أقوم الموازين وزاد في تأكيد معناه فقال : (الْمُسْتَقِيمِ) دون شيء من الحيف.
تنبيه : القسطاس رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لأنّ الأعجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربيا وقرأ حفص والكسائي وحمزة بكسر القاف والباقون بضمها. (ذلِكَ) أي : الأمر العالي الرتبة الذي أخبرناكم به من الإيفاء بالتمام والكمال (خَيْرٌ) لكم في الدارين الدنيا والآخرة من التطفيف بالكيل أو الوزن من حيث إن الإنسان يتخلص بواسطته عن الذكر القبيح في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة وإن تراءى لكم أن التطفيف خير (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي : عاقبة في الدارين ، أما في الدنيا فلأنه اشتهر بالاحتراز عن التطفيف عول الناس عليه ومالت القلوب إليه وحصل له الاستغناء في الزمان القليل وكم رأينا من الفقراء من اشتهروا عند الناس بالأمانة والاحتراز عن الخيانة انقلبت القلوب عليهم وحصلت الأموال الكثيرة لهم ، وأمّا في الآخرة فالفوز بالثواب العظيم والخلاص من العقاب الأليم والتأويل وهو تفعيل من الأول وهو الرجوع أو أفعل التفضيل هنا لاستعمال النصفة بإرخاء العنان أي : على تقدير أن يكون في كل منهما خير فهذا المعنى الذي ذكرناه أزيد خيرا والعاقل لا يرضى لنفسه بالدون.
ولما شرح الله تعالى الأوامر الثلاثة عاد إلى ذكر النواهي فنهى عن ثلاثة أشياء أوّلها قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ) أي : لا تتبع أيها الإنسان (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) من قول أو فعل وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوما وهو قضية كلية يندرج تحتها أنواع كثيرة ، واختلف المفسرون فيها فقال ابن عباس : لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك. وقال قتادة : لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر وعلمت ولم تعلم. وقيل المراد النهي عن القذف ، وقيل المراد النهي عن الكذب. وقيل المراد نهي المشركين عن اعتقاداتهم وتقليد أسلافهم لأنّ الله