المكذبين وآثارهم ، ثم أشار تعالى بالاستفهام إلى أن أحوالهم مما يجب أن يسأل عنه للاتعاظ به فقال : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) أي : آخر أمر (الْمُكَذِّبِينَ) أي : من عاد ومن بعدهم من الذين تلقيتم أخبارهم عمن قلدتموهم في الكفر من أسلافكم لعلكم تعتبرون.
ولما كان من المحقق أنه ليس بعد الإيصال في الاستدلال إلى الأمر المحسوس إلا العناد أعرض عنهم ملتفتا إلى الرؤوف بهم الشفيق عليهم محمد صلىاللهعليهوسلم فقال مسليا له : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) فتطلبه بغاية جدّك واجتهادك وقد أضلهم الله تعالى لا تقدر على ذلك ثم قال تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) أي : من يرد ضلاله وهو معين لمن حقت عليه الضلالة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الدال ، والباقون بضم الياء وفتح الدال على البناء المفعول. قال البيضاوي : وهو أبلغ. ثم قال تعالى : (وَما لَهُمْ) أي : هؤلاء الذين أضلهم الله وجميع من يضله (مِنْ ناصِرِينَ) أي : وليس لهم أحد ينصرهم في الدنيا والآخرة عند مجازاتهم على الضلالة لينقذوهم مما يلحقهم عليه من الوبال كما فعل بالمكذبين ممن قبلهم.
ثم حكى الله عن هؤلاء القوم أنهم ينكرون الحشر والنشر بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : غاية اجتهادهم فيها (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) وذلك أنهم قالوا : إنّ الإنسان ليس هو إلا هذه البنية المخصوصة فإذا مات وتفرّقت أجزاؤه وبلى امتنع عوده بعينه ؛ لأنّ الشيء إذا عدم فقد فني ، ولم يبق له ذات ولا حقيقة بعد فنائه وعدمه ، فكذبهم الله تعالى في قولهم بقوله تعالى : (بَلى) أي : يبعثهم بعد الموت فإنّ لفظة بلى إثبات لما بعد النفي والجواب عن شبهتهم أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأوجده من العدم ، ولم يكن شيئا فالذي أوجده ولم يكن شيئا قادر على إيجاده بعد إعدامه لأنّ النشأة الثانية أهون من الأولى ، وقوله تعالى : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدّر ، أي : وعد ذلك وعدا وحقه حقا. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، أي : لا علم لهم يوصلهم لذلك لأنه من عالم الغيب ، لا يمكن عقولهم الوصول إليه بغير إرشاد من الله تعالى ولا هم يقبلون أقوال الدعاة إليه الذين أيدهم الله بروح منه لتقيدهم بما يوصل إلى عقولهم أنها قاصرة على عالم الشهادة لا يمكنها الترقي منه إلى عالم الغيب بغير واسطة منه سبحانه وتعالى ، فلذلك ترى الإنسان منهم يأبى ذلك استبعادا وهو خصيم مبين.
وقوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) يتعلق بما دل عليه بلى ، أي : يبعثهم ليبين لهم والضمير لمن يموت وهو عامّ للمؤمنين والكافرين والذي اختلفوا فيه هو الحق. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) وقولهم : (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) وقيل : يجوز أن يتعلق بقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) أي : بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه ، وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب.
ثم بين سبحانه وتعالى تيسر الإعادة بقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا) أي : بما لنا من العظمة والقدرة (لِشَيْءٍ) إبداء وإعادة (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : يتسبب عن ذلك القول أنه يكون.
تنبيه : قوله تعالى : (قَوْلُنا) مبتدأ و (أَنْ نَقُولَ) خبره. فيكون وكن من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود ، أي : إذا أردنا حدوث شيء فليس إلا أن نقول له : أحدث فيحدث عقب ذلك من غير توقف. فإن قيل : قوله تعالى : (كُنْ) إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال وإن كان خطابا