أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١))
(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم استهزاء ومنعا للبعثة والتكليف (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا) لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل وهو اعتقاد باطل ، فلذلك استحقوا عليه الذم والوعيد ثم قالوا لهم : (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : من السوائب والبحائر والحامي فهو راض به وبمشيئته وحينئذ فلا فائدة في مجيئك وفي إرسالك وهذا عين ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة الأنعام في قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ) [الأنعام ، ١٤٨] الآية. قال الله تعالى : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من تقدّم هؤلاء من الكفار من الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة ، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديما في الأمم الخالية ففي ذلك تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وكذا في قوله تعالى : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ) أي : الإبلاغ. (الْمُبِينُ) أي : البين فليس عليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه.
ثم بين تعالى أنّ البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها سببا لهدي من أراد اهتداءه ، وزيادة لضلال من أراد ضلاله ، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضرّ المزاج المنحرف ويفنيه بقوله تعالى : (وَلَقَدْ) أي : والله لقد (بَعَثْنا) أي : بما لنا من العظمة التي من اعترض عليها قصم. (فِي كُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الذين من قبلكم (رَسُولاً) أي : كما بعثنا فيكم محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا. (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : الملك الأعلى وحده. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بكسر النون في الوصل والباقون بالضم. (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي : الأوثان أن تعبدوها (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) أي : وفقهم للإيمان بإرشاده (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ) أي : وجبت (عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي : في علم الله تعالى فلم ينفعهم ولم يرد هداهم.
تنبيه : في هذه الآية أبين دليل على أنّ الهادي والمضل هو الله تعالى لأنه المتصرف في عباده يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض عليه فيما حكم به لسابق علمه.
ثم التفت سبحانه وتعالى إلى مخاطبتهم إشارة إلى أنه لم يبق بعد هذا الدليل القطعي في نظر البصيرة إلا الدليل المحسوس للبصر فقال تعالى : (فَسِيرُوا) أي : فإن كنتم أيها المخاطبون في شك من أخبار الرسل فسيروا (فِي الْأَرْضِ) أي : جنسها (فَانْظُرُوا) أي : إذا سرتم ومررتم بديار