قال : «بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى» (١). قال ابن عباس : كان مبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أشراط الساعة. ولما مرّ جبريل بأهل السموات مبعوثا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم قالوا : الله أكبر قامت الساعة. وروي أنه لما نزلت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر ، ١] قال الكفار بعضهم لبعض : إنّ هذا ، أي : محمدا صلىاللهعليهوسلم يزعم أنّ القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما تقولون حتى ننظر ما هو كائن ، فلما تأخرت قالوا : ما نرى شيئا فنزل (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء ، ١] فاشفقوا وانتظروا فلما امتدّت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فنزل (أَتى أَمْرُ اللهِ) فوثب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزل (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنوا فكأن الكفار قالوا : سلمنا لك يا محمد إلا أنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله تعالى فتخلصنا من هذا العذاب المحكوم به فأجابهم الله تعالى بقوله تعالى : (سُبْحانَهُ) أي : تنزيها له (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تبرأ سبحانه وتعالى بالأوصاف الحميدة عن أن يكون له شريك في ملكه. وقرأ حمزة والكسائي أتى بالإمالة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح. وقرأ حمزة والكسائي عما يشركون في الموضعين بالتاء على وفق قوله فلا تستعجلوه والباقون بالياء على الغيبة على تلوين الخطاب أو على أنّ الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم.
ولما أجاب سبحانه وتعالى الكفار عن شبهتهم بقوله تنزيها لنفسه عما يشركون وكان الكفار قالوا : هب أنّ الله تعالى قضى على بعض عبيده بالشرّ وعلى آخرين بالخير ولكن كيف يمكنك أن تعرف هذه الأمور التي لا يعلمها إلا الله تعالى؟ وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله تعالى وأحكامه في ملكه وملكوته فأجابهم الله تعالى بقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) قال ابن عباس : يريد بالملائكة جبريل وحده. قال الواحدي : يسمى الواحد بالجمع إذا كان ذلك الواحد رئيسا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الزاي والباقون بتشديدها والمراد (بِالرُّوحِ) الوحي أو القرآن فإنّ القلوب تحيا به من موت الجهالات وقوله تعالى : (مِنْ أَمْرِهِ) أي : بإرادته حال من الروح (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الأنبياء (أَنْ أَنْذِرُوا) أي : خوّفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم (أَنَّهُ) أي : الشأن (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي : لا إله غيري وقوله تعالى : (فَاتَّقُونِ) أي : خافوني رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود.
تنبيه : في قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرُوا) ثلاثة أوجه أحدها : أنها المفسرة لأنّ الوحي فيه ضرب من القول والإنزال بالروح عبارة عن الوحي قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى ، ٥٢]. الثاني : أنها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف. الثالث : أنها المصدرية التي من شأنها نصب المضارع ووصلت بالأمر كقولهم : كتبت إليه بأن قم والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة وأنّ النبوّة عطاءة.
ولما وحد سبحانه وتعالى نفسه ذكر الآيات الدالة على وحدانيته من حيث إنها تدلّ على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة بقوله تعالى : (خَلَقَ
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٣٦ ، ومسلم في الجمعة حديث ٨٦٧ ، والترمذي في الفتن حديث ٢٢١٤ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٤٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٢٤ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٩٣ ، ٢٣٧ ، ٢٧٥ ، ٢٨٣ ، ٣١٩ ، ٥ / ١٠٣ ، ١٠٨.