(قالُوا لا تَوْجَلْ) أي : لا تخف (إِنَّا) رسل ربك (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) أي : ولد ذكر في غاية القوّة ليس كأولاد الشيوخ ضعيفا. وقرأ حمزة بفتح النون وسكون الباء وضم الشين مخففة والباقون بضم النون وفتح الباء وكسر الشين مشدّدة (عَلِيمٍ) أي : ذي علم كثير هو إسحاق عليهالسلام كما ذكر في هود وتقدّم ذكر القصة هناك بأسرها (قالَ) إبراهيم عليهالسلام.
(أَبَشَّرْتُمُونِي) أي : بالولد وقوله : (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) حال ، أي : مع مسه إياي. فإن قيل : كيف قال (فَبِمَ) أي : فبأيّ شيء (تُبَشِّرُونَ) أي : بينوا لي ذلك بيانا شافيا مع أنهم قد بينوا ما بشروا به وما فائدة هذا الاستفهام؟ أجيب : بأنه أراد أن يعرف أنّ الله تعالى هل يعطيه الولد مع بقائه على صفة الشيخوخة أو يقلبه شابا ثم يعطيه الولد ، والسبب في هذا الاستفهام أنّ العادة جارية بأنه لا يحصل في حالة الشيخوخة التامّة ، وإنما يحصل في حال الشباب أو أنه استفهام تعجب ويدل لذلك قولهم :
(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) قال ابن عباس : يريدون بما قضاه الله تعالى والمعنى أنّ الله تعالى قضى أن يخرج من صلب إبراهيم إسحاق ويخرج من صلب إسحاق ذرية مثل ما أخرج من صلب آدم وقولهم : (فَلا تَكُنْ) أي : بسبب تبشيرنا (مِنَ الْقانِطِينَ) أي : الآيسين ، نهي لإبراهيم عليهالسلام عن القنوط ونهي الإنسان عن الشيء لا يدل على كونه فاعلا للمنهي عنه ، كما في قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب ، ١].
ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام أنه (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ) أي : ييأس من هذا اليأس. (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) أي : الذي لم يزل إحسانه عليه (إِلَّا الضَّالُّونَ) أي : المخطئون طريق الاعتقاد الصحيح في ربهم من تمام القدرة وأنه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون والباقون بفتحها ولما تحقق عليهالسلام البشرى ورأى إتيانهم مختفين على غير الصفة التي يأتي عليها الملك للوحي وكان هو وغيره من العارفين بالله عالمين بأنه ما ينزل الملك إلا بالحق كان ذلك سببا لأن يسألهم عن أمرهم ليزول وجله كله ولذلك.
(قالَ) عليهالسلام (فَما) بفاء السبب (خَطْبُكُمْ) أي : شأنكم. قال أبو حيان : والخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد اه. وقال الرماني : إنه الأمر الجليل. (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) فإنكم ما جئتم إلا لأمر عظيم يكون فصلا بين هالك وناج.
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا) أي : أرسلنا العزيز الحكيم الذي أنت أعرف الناس في هذا الزمان به (إِلى) إهلاك (قَوْمٍ) أي : ذوي منعة (مُجْرِمِينَ) أي : كافرين وهم قوم لوط.
وقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ) فيه وجهان أحدهما : أنه استثناء متصل على أنه مستثنى من الضمير المستكن في مجرمين بمعنى أجرموا كلهم إلا آل لوط فإنهم لم يجرموا ، ويكون معنى قوله تعالى : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) أي : لإيمانهم استئناف إخبار بنجاتهم لكونهم لم يجرموا أو يكون الإرسال حينئذ شاملا للمجرمين ولآل لوط لا هلاك أولئك وإنجاء هؤلاء. والثاني : أنه استثناء منقطع لأنّ آل لوط لم يندرجوا في المجرمين البتة فيكون قوله تعالى : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) جرى مجرى خبر لكن في اتصاله بآل لوط لأن المعنى لكن آل لوط منجوهم وقرأ حمزة والكسائي بسكون النون وتخفيف الجيم والباقون بفتح النون وتشديد الجيم.
وقوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من آل لوط أو من ضميرهم على الأوّل وعلى الثاني لا