نبئ فلم يبدلها إلا حمزة في الوقف فقط ، وكذا الهمزة من نبئهم ونقل عن حمزة كسر الهاء في الوقف.
(وَأَنَّ عَذابِي) أي : وحدي للعصاة (هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) أي : المؤلم.
تنبيه : في هذه الآية لطائف : الأولى : أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه وهذا تشريف عظيم ألا ترى أنه قال لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء ، ١]. الثانية : أنه تعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيدات بألفاظ ثلاث أوّلها : قوله تعالى : (أَنِّي.) ثانيها : قوله : (أَنَا.) ثالثها : إدخال حرف الألف واللام على قوله تعالى : (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.) ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب ، وما وصف نفسه بذلك ، بل قال : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ.) الثالثة : أنه أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة. والرابعة : أنه لما قال : (نَبِّئْ عِبادِي) كان معناه نبئ كل من كان معترفا بعبوديتي وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع كذلك يدخل فيه المؤمن العاصي وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله تعالى. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة فأمسك منها عنده تسعة وتسعين ، وأرسل في خلقه رحمة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة. ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» (١). وعن عبادة رضي الله تعالى عنه قال بلغنا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع من حرام ، ولو يعلم قدر عذابه لجمع نفسه إلى قتلها» (٢). وعنه صلىاللهعليهوسلم : أنه مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال : «أتضحكون وقد ذكر الجنة والنار بين أيديكم فنزل (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»)(٣).
ولما بالغ تعالى في تقرير النبوّة ثم أردفه بذكر دلائل التوحيد ، ثم ذكر تعالى عقبه أحوال القيامة ووصف الأشقياء والسعداء أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ليكون سماعها مرغبا في العبادة الموجبة للفوز بدرجات الأولياء ومحذرا عن المعصية الموجبة لاستحقاق دركات الأشقياء وافتتح من ذلك بقصة إبراهيم عليهالسلام. فقال تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ) أي : خبّر يا سيد المرسلين عبادي (عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) وهم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة منهم جبريل عليهالسلام. فإن قيل : الضيف هو المنضم إلى غيره لطلب القرى؟ أجيب : بأنّ هؤلاء سموا بهذا الاسم لأنهم على صورة الضيف فهو من دلالة التضمن وقيل أيضا : إنّ من يدخل دار إنسان ويلتجئ إليه يسمى ضيفا وإن لم يأكل.
(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي : إبراهيم وكان يكنى أبا الضيفان كان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد (فَقالُوا سَلاماً) أي : نسلم عليك سلاما أو سلمت سلاما (قالَ) إبراهيم عليهالسلام بلسان الحال أو المقال (إِنَّا) أي : أنا ومن عندي (مِنْكُمْ وَجِلُونَ) أي : خائفون وكان خوفهم لامتناعهم من الأكل أو لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٤٦٩.
(٢) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ١٠٢ ، وابن كثير في تفسيره ٤ / ٤٥٨.
(٣) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٤٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ١٠٢.