يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) اعتراضا وقوله تعالى : (قَدَّرْنا) قرأ شعبة بتخفيف الدال والباقون بالتشديد (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) أي : من الباقين في العذاب لكفرها.
تنبيه : معنى التقدير في اللغة جعل الشيء على مقدار غيره يقال : قدر هذا الشيء لهذا ، أي : اجعله على مقداره وقدّر الله تعالى الأقوات ، أي : جعلها على مقدار الكفاية ويفسر التقدير بالقضاء فيقال : قضى الله تعالى عليه وقدره عليه ، أي : جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر وقيل : معنى قدّرنا كتبنا. وقال الزجاج : دبرنا. فإن قيل : لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله عزوجل؟ أجيب : بأنهم إنما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى كما تقول خاصة الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم وإنما يريدون بهذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك فكذا هنا.
ولما بشر الملائكة عليهمالسلام إبراهيم عليهالسلام بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون بعذاب قوم مجرمين ذهبوا بعد إبراهيم عليهالسلام إلى لوط وآله وهذه هي القصة الثانية المذكورة في هذه السورة قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) ههنا همزتان مفتوحتان من كلمتين فقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط واحدة منهما مع المدّ والقصر. وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها حرف مدّ والباقون بتحقيق الهمزتين وكذا (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) [الحجر ، ٦٧].
(قالَ) لهم (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) لأنهم دخلوا عليه هجما فاستنكرهم وخاف من دخولهم لأجل شر يوصلونه إليه ، ولأجل أنهم كانوا شبابا مردا حسان الوجوه فخاف أن يهجم قومه عليهم بسبب طلبهم فقال هذه الكلمة. وقيل : إنّ النكرة ضدّ المعرفة فقوله عليهالسلام (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي : لا أعرفكم ولا أعرف أنكم من أي الأقوام أنتم ، ولأيّ غرض دخلتم عليّ فعند ذلك.
(قالُوا) أي : الملائكة (بَلْ جِئْناكَ بِما) أي : بالعذاب الذي (كانُوا) أي : قومك (فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي : يشكون في نزوله بهم والجاهل يوصف بالشك وإن كان مكذبا من جهة ما يعرض له منه من حيث إنه لا يرجع إلى نفسه فيما هو عليه ثم أكدوا ما ذكروه بقولهم :
(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أي : باليقين الذي لا يشك فيه ثم أكدوا هذا التأكيد بقولهم : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي : فيما أخبرناك به (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) أي : فاذهب بهم في الليل (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي : في طائفة من الليل وقيل : هي آخره ، قال الشاعر (١) :
افتحي الباب وانظري في النجوم |
|
كم علينا من قطع ليل بهيم |
كأنه طال عليه الليل فخاطب ضجيعته بذلك أو كان يحب طول الليل للوصال. وقرأ نافع وابن كثير بوصل همزة فأسر بعد الفاء من السرى ، والباقون بالقطع وهما بمعنى. (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي : وكن على آثار أهلك وسر خلفهم وتطلع على أحوالهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي : لئلا يرى أليم ما نزل بهم من البلاء ، وقيل : جعل ترك الالتفات علامة لمن ينجو من آل لوط (وَامْضُوا حَيْثُ
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (قطع) ، وتاج العروس (قطع) ، وديوان الأدب ١ / ١٨٨ ، وكتاب العين ١ / ١٣٩.