ثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء.
ولما ذكر تعالى أصناف عذاب هؤلاء الكفار ، وذكر عقبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة ذكر كيفية مجادلتهم عند تمسك أتباعهم بهم وكيفية افتضاحهم عندهم بقوله تعالى : (وَبَرَزُوا ،) أي : الخلائق من قبورهم (لِلَّهِ جَمِيعاً) والتعبير فيه وفيما يأتي بالماضي ، وإن كان معناه الاستقبال لتحقق وقوعه ؛ لأنّ كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو حق وصدق وكائن لا محالة ، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود ، ونظيره : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف ، ٤٤].
تنبيه : البروز في اللغة الظهور بعد الاستتار ، وهو في حق الله تعالى محال ، فلا بدّ من تأويله وهو من وجهين :
الأوّل : أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ، ويظنون أنّ ذلك خاف على الله تعالى ، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عن أنفسهم ، وعلموا أنّ الله تعالى لا تخفى عليه خافية.
الثاني : أنهم خرجوا من قبورهم ، فبرزوا لحساب الله تعالى وحكمه. ثم حكى الله تعالى عنهم أنّ الضعفاء يقولون للرؤوساء هل تقدرون على دفع عذاب الله تعالى عنا؟ بقوله تعالى : (فَقالَ الضُّعَفاءُ ،) أي : الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعفاء الرأي (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ،) أي : المتبوعين الذين طلبوا الكبر ، وادّعوه فاستغووهم به حتى تكبروا على الرسل ، وقوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) يصح أن يكون مصدرا نعت به للمبالغة ، أو على إضمار مضاف وأن يكون جمع تابع ، أي : تابعين لكم في تكذيب الرسل ، فكنتم سبب ضلالنا ، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم (فَهَلْ أَنْتُمْ ،) أي : في هذا اليوم (مُغْنُونَ ،) أي : دافعون (عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ ،) أي : من انتقامه (مِنْ شَيْءٍ) فإن قيل : فما الفرق بين من في عذاب الله وبين من في شيء؟ أجيب : بأنّ الأولى للتبيين ، والثانية للتبعيض ، كأنه قيل : هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو من بعض عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معا بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ، وعند هذا حكى الله تعالى عن الذين استكبروا أنهم قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ ،) أي : الذي له صفات الكمال (لَهَدَيْناكُمْ ،) أي : لو أرشدنا الله تعالى لأرشدناكم ، ودعوناكم إلى الهدى ، ولكنه لم يهدنا ، فضللنا وكنتم لنا تبعا فأضللناكم ، ولما كان الموجب لقولهم هذا الجزع قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا ،) أي : نحن وأنتم (أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ،) أي : مستو علينا الجزع والصبر ، والجزع أبلغ من الحزن ؛ لأنه يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ ،) أي : منجى ومهرب مما نحن فيه من العقاب.
تنبيه : يحتمل أن يكون هذا من كلام المتبوعين ، وأن يكون كلام الفريقين ، ويؤيد الثاني ما روي أنهم يقولون في النار : تعالوا نجزع فيجزعون خمسمئة عام فلا ينفعهم الجزع ، فيقولون : تعالوا نصبر ، فيصبرون خمسمئة عام فلا ينفعهم الصبر ، فعند ذلك يقولون ذلك. وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني أنّ أهل النار استغاثوا بالخزنة كما قال الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [غافر ، ٤٩] فردّت الخزنة عليهم : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى) [غافر ، ٥٠] فردّت الخزنة عليهم : (فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [غافر ، ٥٠] فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف ، ٧٧] سألوا