وأوضح من الدلالة بهذا الكتاب ويشهد بتكذيبهم بادعائكم القدرة على المعارضة ، وترككم لها عجزا ، وهذا أعلى مراتب الشهادة ؛ لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظنّ بأن الأمر كما شهد به ، والمعجزة فعل مخصوص يوجب القطع بكونه رسولا من عند الله ، واختلف في قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) فروى العوفي عن ابن عباس أنهم علماء اليهود والنصارى ، أي : أنّ كل من كان عالما من اليهود بالتوراة ، ومن النصارى بالإنجيل علم أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم مرسل من عند الله لما يجد من الدلائل الدالة على نبوّته فيها شهد بذلك من شهد به وأنكره من أنكره منهم.
والثاني : أنّ المراد شهادة أهل الكتاب من الذين آمنوا ، وهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري. وقال الحسن ومجاهد والزجاج وسعيد بن جبير : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) هو الله تعالى. قال الحسن : لا والله لا يعني إلا الله ، والمعنى كفى بالله الذي يستحق العبادة ، وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو شهيدا بيني وبينكم ، وهذا أظهر كما استظهره البقاعي ، وإن كان عطف الصفة على الموصوف خلاف الأصل إذ يقال : شهد بهذا زيد الفقيه ، لا زيد والفقيه ؛ لأنه جائز في الجملة ، وقيل : معناه : أن علم أنّ القرآن الذي جئتكم به معجز ظاهر وبرهان باهر لما فيه من الفصاحة والبلاغة والإخبار عن الغيوب وعن الأمم الماضية فمن علمه بهذه الصفة كان شهيدا بيني وبينكم والله أعلم بمراده. وما رواه البيضاويّ تبعا للزمخشريّ وتبعهما ابن عادل من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة وبعث يوم القيامة من الموفين بعهد الله» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) الحديث ذكره الزمخشري في الكشاف ٢ / ٥٠٤.