فلا تدخل إلا على الجلالة الكريمة أو الرب مضافا للكعبة أو الرحمن في قول ضعيف ، ولو قلت : تالرحمن لم يجز ، أي : والله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ) أي : بما جرّبتم من أمانتنا قبل هذا في كون مجيئنا (ما جِئْنا) وأكدوا النفي باللام فقالوا : (لِنُفْسِدَ ،) أي : نوقع الفساد (فِي الْأَرْضِ ،) أي : أرض مصر (وَ) لقد علمتم (ما كُنَّا ،) أي : بوجه من الوجوه (سارِقِينَ ،) أي : موصوفين بهذا الوصف قطعا. فإن قيل : من أين علموا ذلك؟ أجيب : بأنّ ذلك يعلم مما رأوا من أحوالهم ، وقيل : لأنهم ردّوا البضاعة التي جعلت في رحالهم ، قالوا : فلوا كنا سارقين ما رددناها ، وقيل : قالوا ذلك ؛ لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم ، وكانوا إذا دخلوا مصر كمموا أفواه دوابهم كي لا تتناول شيئا من حروث الناس.
(قالُوا ،) أي : أصحاب يوسف عليهالسلام المنادي ومن معه (فَما جَزاؤُهُ ،) أي : السارق ، وقيل : الصواع (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) في قولكم : ما كنا سارقين ووجد فيكم ، والجزاء مقابلة العمل بما يستحق من خير وشر.
(قالُوا) وثوقا منهم بالبراءة وإخبارا بالحكم عندهم (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) ولتحققهم البراءة علقوا الحكم على مجرد الوجدان لا السرقة ، ثم أكدوا ذلك بقولهم : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) قال ابن عباس : كان ذلك الزمان كل سارق بسرقته فلذلك قالوا ذلك ، أي : فالسارق جزاؤه أن يسلم بسرقته إلى المسروق منه فيسترق سنّة ، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق ، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم (كَذلِكَ ،) أي : الجزاء (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) بالسرقة ، قال أصحاب يوسف : فلا بد من تفتيش رحالكم ، فردوهم إلى يوسف عليهالسلام فأمر بتفتيشها بين يديه.
(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧))