عبيدا له ، فلما سمع ذلك قال : إني أشهد الله أني اعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم ، وكان لا يبيع أحدا ممن يطلب الطعام أكثر من حمل بعير ؛ لئلا يضيق الطعام على الباقين هذا ملخص ما قاله البغوي والزمخشري وغيرهما.
قال الرازي : والله أعلم بحقيقة الحال وروي أنّ يوسف عليهالسلام كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام ، فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال : إن شبعت نسيت الجائع ، وأمر يوسف طباخ الملك أن يجعل غداءه نصف النهار أراد بذلك أن يذيق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين قال البغوي : فمن ثم جعل الملوك غداءهم نصف النهار.
قال الله تعالى : (نُصِيبُ ،) أي : نخص (بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) في الدنيا والآخرة (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بل نؤتيهم أجورهم عاجلا ؛ وآجلا لأنّ إضاعة الأجر إما أن تكون للعجز أو للجهل أو للبخل ، والكل ممتنع في حق الله تعالى فالإضاعة ممتنعة.
(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الشرك والفواحش ، قال الرازي : وهذا تنصيص من الله تعالى على أنّ يوسف عليهالسلام كان في الزمان السابق من المتقين وليس هاهنا زمان سابق يحتاج إلى بيان أنه كان فيه من المتقين إلا ذلك الوقت الذي قال الله تعالى فيه : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) فكان هذا من الله تعالى شهادة بأنه عليهالسلام كان في ذلك الوقت من المتقين وأيضا قوله : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) شهادة من الله تعالى على أنه كان من المخلصين فثبت أن الله تعالى شهد بأنّ يوسف كان من المتقين ومن المحسنين ومن المخلصين ، والجاهل الحشوي يقول : إنه كان من المذنبين ولا شك أن من لم يقبل قول الله تعالى مع هذه التأكيدات كان من الأخسرين.
ولما اشتدّ القحط وعظم البلاء عم ذلك جميع البلاد حتى وصل إلى بلاد الشام وأرض كنعان ، وقصد الناس مصر من كل مكان للميرة ، فجعل يوسف عليهالسلام لا يعطي أحدا أكثر من حمل بعير وإن كان عظيما تقسيطا بين الناس. وتزاحم الناس عليه ، ونزل بآل يعقوب ما نزل بالناس من الشدّة ، فبعث بنيه إلى مصر للميرة وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه وأبيه فذلك قوله تعالى : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) وكانوا عشرة وكان منزلهم بالعربات من أرض فلسطين ثغور الشأم وكانوا أهل إبل وشياه ، فدعاهم أبوهم يعقوب عليهالسلام ، وقال : بلغني أن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا إليه واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون من الطعام.
وههنا همزتان مختلفتان من كلمتين ، فقرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو بتسهيل الثانية ، والباقون بالتحقيق. ولما أمرهم أبوهم بذلك خرجوا حتى قدموا مصر (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ) قال ابن عباس : بأوّل نظرة إليهم عرفهم. وقال الحسن : لم يعرفهم حتى تعرفوا إليه. (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ،) أي : لم يعرفوه وذلك لوجوه : الأوّل : أنه عليهالسلام أمر حجابه بأن يوقفوهم من البعد وما كان يتكلم معهم إلا بواسطة ، الثاني : أنهم حين ألقوه في الجب كان صغيرا ، ثم إنهم رأوه بعد وفور اللحية وكبر الجثة ، قال ابن عباس : وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة ، فلذلك أنكروه ، وقال عطاء : إنما لم يعرفوه ؛ لأنه كان على سرير الملك ، وكان بزيّ ملوك مصر عليه ثياب حرير ، وفي عنقه طوق ذهب ، ثم إنّ يوسف عليهالسلام أمر بإنزالهم وإكرامهم وكانت عادته أن لا يزيد أحدا على حمل بعير ، وكانوا عشرة فأعطاهم عشرة أحمال كما قال تعالى :