لِلرُّءْيا
تَعْبُرُونَ) أي : إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا فاعبروها.
تنبيه : اللام في (لِلرُّءْيا) مزيدة فلا تعلق لها بشيء ، وزيدت لتقدّم المعمول تقوية
للعامل كما زيدت إذا كان العامل فرعا كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ) [البروج ، ١٦] ولا تزاد فيما عدا ذينك إلا ضرورة ، وقيل : ضمن تعبرون معنى
ما يتعدّى باللام تقديره : إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا ، وقيل : متعلقة بمحذوف
على أنها للبيان كقوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ
الزَّاهِدِينَ) [يوسف ، ٢٠] تقديره : أعني فيه ، وكذلك هذا تقديره : أعني للرؤيا ، وعلى
هذا يكون مفعول تعبرون محذوفا تقديره تعبرونها ، وفي الآية ما يوجبه حال العلماء
من حاجة الملوك إليهم فكأنه قيل : فما قالوا؟ فقيل :
(قالُوا) هذه الرؤيا (أَضْغاثُ ،) أي : أخلاط (أَحْلامٍ) مختلطة مختلفة مشتبهة جمع ضغث بكسر الضاد وإسكان الغين
المعجمة ، وهي قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس ، والأحلام جمع حلم بضم الحاء
وإسكان اللام وضمها ، وهو الرؤيا فقيدوها بالأضغاث ، وهو ما يكون من الرؤيا باطلا
لكونه من حديث النفس ووسوسة الشيطان لكونها تشبه أخلاط النبات التي لا تناسب بينها
؛ لأنّ الرؤيا تارة تكون من الملك وهي الصحيحة ، وتارة تكون من تحزين الشيطان
وتخليطاته ، وتارة من حديث النفس ، ثم قالوا : (وَما نَحْنُ ،) أي : بأجمعنا (بِتَأْوِيلِ
الْأَحْلامِ ،) أي : المنامات الباطلة (بِعالِمِينَ ،) أي : ليس لها تأويل عندنا ، وإنما التأويل للمنامات
الصادقة كأنه مقدّمة ثانية للعذر ولما سأل الملك عن هذه الرؤيا واعترف الحاضرون
بالعجز عن الجواب تذكر ذلك الشرابي واقعة يوسف عليهالسلام ؛ لأنه كان يعتقد فيه كونه متبحرا في هذا العلم كما قال
تعالى :
(وَقالَ الَّذِي نَجا
،) أي : خلص (مِنْهُما ،) أي : من صاحبي السجن وهو الشرابي إنّ في الحبس رجلا
فاضلا صالحا كثير العلم كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما
فصدق في كل ما ذكر وما أخطأ في حرف ، فكانت هذه الرؤيا سببا لخلاص يوسف عليهالسلام ، ولم يتذكر الشرابي إلا بعد طول المدّة كما قال تعالى
: (وَادَّكَرَ) بالدال المهملة ، أي : طلب الذكر بالذال المعجمة وزنه
افتعل (بَعْدَ أُمَّةٍ ،) أي : وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة ، أي : مدّة
طويلة ، والجملة اعتراض ومقول القول (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ،) أي : إلى يوسف عليهالسلام فإنه أعلم الناس فأرسلوه إليه ، قال ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما : ولم يكن السجن بالمدينة فأتاه ، فقال الساقي المرسل إليه مناديا له
نداء القرب تحببا إليه :
(يُوسُفُ) وزاد في التحبب بقوله (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ
،) أي : البليغ في الصدق والتصديق ؛ لأنه جرّب أحواله وعرف
صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وهذا يدل على أنّ من أراد أن يتعلم من رجل شيئا
فإنه يجب عليه أن يعظمه وأن يخاطبه بالألفاظ المشعرة بالإجلال ، ثم إنه أعاد
السؤال يعني اللفظ الذي ذكره الملك فقال : (أَفْتِنا ،) أي : اذكر لنا الحكم (فِي سَبْعِ بَقَراتٍ
سِمانٍ ،) أي : رآهنّ الملك (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ) من البقر (عِجافٌ وَ) في (سَبْعِ سُنْبُلاتٍ) جمع سنبلة وهي مجمع الحب من الزرع (خُضْرٍ وَ) في سبع (أُخَرَ) من السنابل (يابِساتٍ ،) أي : في رؤيا ذلك ، ونعم ما فعل من ذكر السؤال بعين
اللفظ ، فإنّ نفس الرؤيا قد تختلف بحسب اختلاف الألفاظ كما هو مذكور في ذلك العلم
ثم قال : (لَعَلِّي أَرْجِعُ
إِلَى النَّاسِ ،) أي : إلى الملك وجماعته بفتواك قبل مانع يمنعني (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ،) أي : بتأويل هذه الرؤيا ، وقيل : بمنزلتك في العلم. وقرأ
نافع