وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بفتح الياء ، والباقون بالسكون.
(قالَ) يوسف عليهالسلام معبرا لتلك الرؤيا : أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبات ، وأمّا البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبة فذلك قوله : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ) وهو خبر بمعنى الأمر كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة ، ٢٢٨](وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة ، ٢٣٣] وإنما خرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في الإيجاب فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه ، والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) وقوله : (دَأَباً) نصب على الحال ، أي : دائبين ، أي : سبع سنين متتابعة على عادتكم في الزراعة ، والدأب العادة ، وقيل : ازرعوا بجد واجتهاد ، وهذا تأويل السبع السمان والسنبلات الخضر. وقرأ حفص بفتح الهمزة ، وسكنها الباقون ، وأبدلها السوسي ألفا وقفا ووصلا ، وحمزة وقفا فقط. (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ ،) أي : اتركوه (فِي سُنْبُلِهِ) لئلا يفسد ولا يقع فيه السوس ، وذلك أبقى له على طول الزمان (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ،) أي : ادرسوا قليلا من الحنطة للأكل بقدر الحاجة ، أمرهم بحفظ الأكثر لوقت الحاجة أيضا ، وهو وقت السنين المجدبة كما قال :
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ،) أي : السبع المخصبات (سَبْعٌ شِدادٌ ،) أي : مجدبات صعاب وهي تأويل السبع العجاف والسنبلات اليابسات (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ،) أي : يأكل أهلهنّ ما ادّخرتم لأجلهنّ ، فأسند إليهنّ على المجاز تطبيقا بين المعبر وهو يأكلهنّ سبع عجاف والمعبر به وهو يأكلن ما قدّمتم لهنّ (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ،) أي : تحرزون وتدّخرون للبذر ، والإحصان الإحراز وهو إبقاء الشيء في الحصن بحيث يحفظ ولا يضيع.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ،) أي : السبع المجدبات (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ ،) أي : يمطرون من الغيث وهو المطر ، وقيل : ينقذون من قول العرب استغثت فأغاثني (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) من العنب خمرا ، ومن الزيتون زيتا ، ومن السمسم دهنا ، وأراد بذلك كثرة النعم والخير. وقال أبو عبيدة : ينجون من الكرب والشدّة والجدب. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب ؛ لأنّ الكلام كله مع الخطاب ، والباقون بالياء على الغيبة ردّا إلى الناس. ولما رجع الشرابي إلى الملك وعرض عليه التعبير الذي ذكره يوسف عليهالسلام استحسنه.
(وَقالَ الْمَلِكُ ،) أي : الذي العزيز في خدمته (ائْتُونِي بِهِ) لأسمع ذلك منه وأكرمه وهذا يدلّ على فضيلة العلم فإنه سبحانه وتعالى جعل علمه سببا لخلاصه من المحنة الدنيوية ، فكيف لا يكون العلم سببا للخلاص من المحن الأخروية؟ فأتاه الرسول ليأتي به إلى الملك (فَلَمَّا جاءَهُ ،) أي : يوسف عليهالسلام عن قرب من الزمان (الرَّسُولُ) بذلك وهو الساقي وقال له : أجب الملك (قالَ) له يوسف عليهالسلام (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ،) أي : سيدك الملك ، ولم يخرج معه حتى يظهر برهانه للملك ولا يراه بعين النقص ولذلك قال : (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) وإنما قال يوسف عليهالسلام : فاسأله ما بال النسوة ، ولم يقل : فاسأله أن يفتش عن حالهنّ ؛ لأنّ قوله : فاسأله يحتمل أن يكون بمعنى المسألة ، أي : اسأله عن شأنهنّ وأن يكون بمعنى الطلب ، وهو أن يفتش عن شأنهنّ فحسن تقييده بلفظ ما التي يسأل بها عن حقيقة الشيء ليهيجه أن يتحرك للتفتيش عن حالهنّ ؛ لأنّ الإنسان حريص على تحقيق الشيء ويستنكف أن ينسب إلى الجهل به بخلاف ما لو قال : سله أن يفتش ، أي : اطلب منه فإنه لا يبالي بهذا الطلب ولا يلتفت إليه لا سيما الملوك.