إلى أبيك؟ قال : الله. قال : فمن أنجاك من كرب البئر؟ قال : الله تعالى.
قال فمن صرف عنك السوء والفحشاء؟ قال : الله. قال : فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟!.
قال محمد بن
عمر الرازيّ في تفسيره : والذي جربته من أوّل عمري إلى آخره أنّ الإنسان كلما عوّل
في أمر من الأمور على غير الله تعالى صار ذلك سببا للبلاء والمحنة والشدّة والرزية
، وإذا عول على الله تعالى ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن
الوجوه ، فهذه التجربة قد استمرّت لي من أوّل عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت إلى
السابع والخمسين ، فعند ذلك استقرّ قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على
شيء سوى فضل الله تعالى وإحسانه.
ولما دنا فرج
يوسف عليهالسلام رأى ملك مصر الأكبر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هائلة
، كما قال تعالى :
(وَقالَ الْمَلِكُ
إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ
سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي
رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ
وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا
مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ
سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ
لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً
مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ
يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ
يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى
رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ
رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ
عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ
وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ
بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ
رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
(وَقالَ الْمَلِكُ
إِنِّي أَرى ،) أي : رأيت عبر بالمضارع حكاية للحال لشدّة ما هاله من
ذلك (سَبْعَ بَقَراتٍ
سِمانٍ ،) أي : خرجن من نهر يابس ، والسمن زيادة البدن من الشحم
واللحم وسمان جمع سمينة ، ويجمع سمين أيضا عليه يقال : رجال سمان ونساء سمان كما
يقال : رجال كرام ونساء كرام (يَأْكُلُهُنَّ ،) أي : يبتلعهنّ (سَبْعَ ،) أي : من البقر (عِجافٌ) جمع عجفاء ، أي : مهازيل خرجن من ذلك النهر.
تنبيه : جمع عجفاء على عجاف ، والقياس عجف نحو حمراء وحمر
حملا له على سمان ؛ لأنه نقيضه ، ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على
النقيض (وَ) إني أرى (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ
خُضْرٍ ،) أي : قد انعقد حبها (وَ) إني أرى سبع سنبلات (أُخَرَ يابِساتٍ ،) أي : قد أدركت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن
عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بما نص من حال البقرات ، والسنبلة نبات كالقصبة
فيها جملة حبوب منتظمة ، فكأنه قيل : فكان ما ذا؟ فقيل : قال الملك بعد أن جمع
السحرة والكهنة والمعبرين (يا أَيُّهَا
الْمَلَأُ ،) أي : الأشراف النبلاء الذين تملأ العيون مناظرهم
والقلوب مآثرهم (أَفْتُونِي فِي
رُءْيايَ) أي : أخبروني بتأويلها (إِنْ كُنْتُمْ