يتكلم في المهد إلا ثلاثة ؛ عيسى ابن مريم وصاحب جريج وصبيّ كان يرضع أمّه فمرّ راكب حسن الهيئة فقالت أمّه : اللهم اجعل ابني مثل هذا فقال الصبي : اللهم لا تجعلني مثله» (١) وبهذا الاعتبار صاروا خمسة وزاد الثعلبي سادسا وهو يحيى بن زكريا عليهماالسلام وزاد غيره على ذلك ، ولعل الحصر فيما ذكر في الحديث كان قبل العلم بالزيادة فلا تناقض وأوصلهم السيوطي إلى أحد عشر ونظمهم فقال :
تكلم في المهد النبي محمد |
|
ويحيى وعيسى والخليل ومريم |
ومبري جريج ثم شاهد يوسف |
|
وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم |
وطفل عليه مرّ بالأمّة التي |
|
يقال لها تزني ولا تتكلم |
وماشطة في عهد فرعون طفلها |
|
وفي زمن الهادي المبارك يختم |
وقالت طائفة عظيمة من المفسرين : إنها كان لها ابن عم وكان رجلا حكيما واتفق في ذلك الوقت أنه كان مع الملك يريد أن يدخل عليها فقال : قد سمعنا الجلبة من وراء الباب وشق القميص إلا أنّا لا ندري أيكما قدّام صاحبه ولكن (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ ،) أي : من قدام (فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ،) أي : من خلف (فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لأنه لو لا إدباره منها وإقبالها عليه لما وقع ذلك ، فعرف سيدها صحة ذلك بلا شبهة كما قال تعالى :
(فَلَمَّا رَأى ،) أي : سيدها (قَمِيصَهُ ،) أي : يوسف عليهالسلام (قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ) لها زوجها قطفير وقد قطع بصدقه وكذبها مؤكدا لأجل إنكارها (إِنَّهُ ،) أي : هذا القذف له (مِنْ كَيْدِكُنَ) معشر النساء ، والكيد طلب الإنسان بما يكره (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) والعظيم ما ينقص مقدار غيره عنه حسا أو معنى. فإن قيل : كيف وصف كيد النساء بالعظم مع قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء ، ٢٨] وهلا كان مكر الرجال أقوى من مكر النساء؟ أجيب : بأنّ الإنسان ضعيف بالنسبة لخلق ما هو أعظم منه كخلق السموات والأرض وبأن كيدهنّ أدق من كيد الرجال وألطف وأخفى ؛ لأنّ الشيطان عليهنّ لنقصهنّ أقدر ومكرهنّ في هذا الباب أعظم من كيد جميع البشر ؛ لأنّ لهنّ من المكر والحيل والكيد في إتمام مرادهن ما لا يقدر عليه الرجال في هذا الباب ؛ ولأنّ كيدهنّ في هذا الباب يورث العار ما لا يورثه كيد الرجال.
ولما ظهر للقوم براءة يوسف من ذلك الفعل المنكر حكى تعالى أنه قال : (يُوسُفُ ،) أي : يا يوسف (أَعْرِضْ ،) أي : انصرف بكليتك مجاوزا (عَنْ هذا) الحديث فلا تذكره لأحد حتى لا يشيع وينشر بين الناس ، ثم التفت إلى المرأة وقال لها : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ،) أي : توبي إلى الله تعالى مما رميتي يوسف به من الخطيئة وهو بريء منها (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ ،) أي : الآثمين.
قال أبو بكر الأصم : إنّ ذلك الزوج كان قليل الغيرة فاكتفى منها بالاستغفار ، وقيل : إنّ القائل المذكور هو الشاهد. فإن قيل : كيف قال من الخاطئين بلفظ التذكير؟ أجيب : بأنه قال ذلك تغليبا للذكور على الإناث أو أن المراد أنك من نسل الخاطئين ، فمن ذلك النسل سرى ذلك العرق الخبيث فيك ، ثم شاع الخبر واشتهر.
(وَقالَ نِسْوَةٌ ،) أي : وقال جماعة من النساء وكنّ خمسا : امرأة الساقي ، وامرأة الخباز ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٣٦ ، ومسلم في البر حديث ٢٥٥٠.