وهذا التقدير هو اللائق بمثل مقامه عليهالسلام مع أنه الذي تدلّ عليه أساليب هذه الآيات من جعله من المخلصين والمحسنين المصروف عنهم السوء وأنّ السجن أحب إليه من ذلك مع قيام القاطع على كذب ما تضمنه قولها : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) الآية من مطلق الإرادة ومع ما يتحتم من تقدير ما ذكر بعد لو لا في خصوص هذا التركيب من أساليب كلام العرب ، فإنه يجب أن يكون المقدّر بعد كل شرط من معنى ما دل عليه ما قبله ، وهذا مثل قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص ، ١٠] ، أي : لأبدت به ، وأما ما ورد عن السلف مما يعارض ذلك من تفسيرهم بها بأن حل الهميان وجلس بها مجلس المجامع وبأنه حلّ تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها ، ومن تفسير البرهان بأنه سمع صوتا : إياك وإياها فلم يكترث له ، فسمعه ثانيا فلم يعمل به ، فسمعه ثالثا أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته ، وقيل : ضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله ، وقيل : كل ولد يعقوب ولد له اثنا عشر ولدا إلا يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولدا من أجل ما نقص من شهوته حين همّ ، وقيل : صيح به يا يوسف لا تكن كالطائر كان له ريش فلما زنا قعد لا ريش له ، وقيل : بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار ، ١٠ ، ١١] فلم ينصرف ثم رأى فيها : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء ، ٣٢] فلم ينته ثم رأى فيها (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة ، ٢٨١] فلم ينجع فيه فقال الله تعالى لجبريل عليهالسلام : أدرك عبدي قبل أن يدرك الخطيئة ، فانحط جبريل وهو يقول : يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟ وقيل : رأى تمثال العزيز. وقيل : قامت المرأة إلى صنم كان هناك فسترته وقالت : أستحي أن يرانا ، فقال يوسف : استحيت مما لا يسمع ولا يبصر ولا أستحي من السميع العليم بذات الصدور ، فلم يصح منه شيء عن أحد منهم مع أنّ هذه الأقوال التي وردت عنهم إذا جمعت تناقضت وتكاذبت. قال الزمخشريّ : وهذا ونحوه ممن يورده أهل الجبر والحشو الذين دينهم بهت لله وأنبيائه فأخزى الله أولئك في إيرادهم ما يؤدّي إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين ليقتدي بنبيّ من أنبياء الله تعالى فيما ذكروه وأهل العدل والتوحيد. ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل وأطال في ردّ ذلك ، وكذا فعل الرازي.
وقيل : وهمّ بها ، أي : بزجرها ووعظها. وقيل : همّ بها ، أي : غمه امتناعه منها. وقيل : همّ بها ، أي : نظر إليها وقيل : همّ بضربها ودفعها. وقيل : هذا كله قبل نبوّته ، وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف عليهالسلام ميل شهوة حتى نبأه الله تعالى فألقى عليه هيبة النبوّة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه (كَذلِكَ ،) أي : مثل ذلك التثبيت نثبته في كل أمر (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ،) أي : الهمّ بالزنا وغيره (وَالْفَحْشاءَ) أي : الزنا وغيره ، وقيل : السوء مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بالشهوة ، والفحشاء هي الزنا ، فكأنه قيل : لم فعل به هذا؟ فقيل : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا ،) أي : الذين عظمناهم (الْمُخْلَصِينَ ،) أي : في عبادتنا الذين هم خير صرف لا يخالطهم غش ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام بعد الخاء ، والباقون بالفتح.
قال الرازي : فوروده باسم الفاعل دل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص ، ووروده باسم المفعول يدلّ على أنّ الله تعالى استخلصه واصطفاه لحضرته ، وعلى كلا اللفظين فإنه