البئر ودلوتها إذا أخرجتها ، والدلو معروف والجمع الدلاء فلما أرسلها تعلق بالحبل يوسف عليهالسلام فلما خرج فإذا هو بغلام أحسن ما يكون قال صلىاللهعليهوسلم : «أعطي يوسف شطر الحسن» (١). ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة ، وكانت جدّته قد أعطيت سدس الحسن قال ابن إسحاق : ذهب يوسف وأمّه بثلثي الحسن. وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار قال : كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوي الخلق أبيض اللون غليظ الساعدين والعضدين والساقين خميص البطن صغير السرّة ، وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه ، وإذا تكلم رأيت شعاع النور من ثناياه لا يستطيع أحد وصفه ، وكان حسنه كضوء النهار عند الليل ، وكان يشبه آدم عليهالسلام يوم خلقه الله وصوّره قبل أن يصيب الخطيئة ، فلما رآه مالك بن ذعر (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) نادى البشرى بشارة لنفسه ، كأنّه قال تعالى فهذا أوانك.
وعن الأعمش أنه قال : دعا امرأة اسمها بشرى فقال : يا بشرى. وعن السدي أنّ المدلي نادى صاحبه وكان اسمه بشرى فقال : يا بشرى. كما قرأه حمزة وعاصم والكسائي ، فإنهم قرؤوا بحذف الياء بعد الألف ، والباقون بإثبات الياء. وقيل : ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك. وروي أنّ جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها واختلف في ضمير (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) إلى من يعود؟ وفيه قولان :
الأوّل : أنه عائد إلى الوارد وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه بالجب ، وذلك أنهم قالوا : إن قلنا للسيارة : التقطناه شاركونا ، وإن قلنا : اشتريناه سألونا الشركة فالأصوب أن نقول : إنّ أهلا لنا جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر.
والثاني : ونقل عن ابن عباس أنه قال : وأسرّوه يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه ، وذلك أنّ يهوذا كان يأتيه بالطعام كل يوم فلم يجده في البئر فأخبر إخوته فطلبوه ، فإذا هم بمالك بن ذعر وأصحابه نزول فأتوهم فإذا هم بيوسف فقالوا : هذا عبد لنا أبق منا وتابعهم يوسف على ذلك ؛ لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية. قال الرازي : والأوّل أولى ؛ لأنّ قوله : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) يدل على أنّ المراد أنهم أسرّوه حال ما حكموا بأنه بضاعة ، وذلك إنما يليق بالوارد لا بإخوة يوسف.
تنبيه : البضاعة القطعة من المال تجعل للتجارة من بضعت الشيء إذا قطعته. قال الزجاج : وبضاعة منصوب على الحال كأنه قال : وأسرّوه حال ما جعلوه بضاعة ولما جعل تعالى هذا البلاء سببا لوصوله إلى مصر ، ثم صارت وقائعه إلى أن صار ملكا بمصر ، وحصل ذلك الذي رآه في النوم ، فكان العمل الذي عمله الأعداء في دفعه عن ذلك المطلوب صيّره الله تعالى سببا لحصول ذلك المطلوب ، فلهذا المعنى قال تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ ،) أي : بالغ العلم (بِما يَعْمَلُونَ ،) أي : لم يخف عليه ما فعلوه بيوسف وأبيهم.
(وَشَرَوْهُ ،) أي : باعوه إذ قد يطلق لفظ الشراء على البيع يقال : شريت الشيء بمعنى : بعته وإنما حمل هذا الشراء على البيع ؛ لأنّ الضمير في (شَرَوْهُ) وفي (كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يرجع
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٢٨٦ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٦٠ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢٤٠٠.